الجمعة، 22 أبريل 2011

http://www.4shared.com/file/e_29BqH-/Alkabaernat.html

http://www.4shared.com/file/e_29BqH-/Alkabaernat.html .......... تحميل برنامج أدعية من القرآن الكريم

http://www.4shared.com/file/e_29BqH-/Alkabaernat.html

برنامج رائع لأوقات الصلاة

برنامج رائع لأوقات الصلاة

http://www.4shared.com/file/e_29BqH-/Alkabaernat.html
كتاب الكبائر, كتاب ألفه الإمام محمد بن عثمان الذهبي, يشمل عدد من الكبائر والمعاصي التي يجب على المسلم أن يتجنبها, وقام بطبعه أول مره الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة, في عام 1955 معتمدا على ثلاث مخطوطات                           ............  لتحميل الكتاب من هنا http://www.4shared.com/file/e_29BqH-/Alkabaernat.html


حضرة ميلاد الست أم الإخلاص

علاج الأنفس السبعة بالأذكار السبعة


علاج الأنفس السبعة بالأذكار السبعة
علاج الأنفس السبعة بالأذكار السبعة الواردة بالقرآن الكريم الذى فيه نبأ من قبلكم
وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن
ابتغى الهدى فى غيره أضله الله، هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم، وهو
الصراط المستقيم، وهو الذى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا تتشعب معه الآراء،
ولا يشبع منه العلمء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضى عجائبه، وهو
الذى لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: ﴿إنَّا سمِ  عَنا قُرآنا عجبا﴾ من علم علمه سبق، ومن قال
به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم، وهو
عصمه لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب.
وإن النفس وإن كانت واحدة فى حقيقتها فهى سبعة باعتبار صفاتها.
١) فالنفس الأمارة يجوز السالك عقبتها بذكر (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فيجوز بذلك
ظلمة الأغيار. فالنفس دائماً تميل إلى طبيعتها البشرية، والشهوات الحسية ﴿إن النفَّْس
لأَمارة بالسوءِ﴾.
٢) والنفس اللوامة يجوز السالك عقبتها بذكر (الله) فيجوز مقام المعانى فتكسب النفس
تحت الأمر التكليفى وتزعن لأتباع الحق وتعرف ما يضرها وما ينفعها ﴿لاَأَقسِم بِي  ومِ
القِيامةِ * ولاَ أُقْسِم بالنَّفْسِ اللَّوامةِ﴾.
٣) والنفس الملهمة يجوز السالك عقبتها بذكر (هو) فيجوز مقام الأسرار وتزول عن
النفس ظلمة الميل والهوى ويقوى لديها معرفة الحق ويزيد صلتها بعالم القدس فتتلقى
الإلهامات من الله ﴿فَألْهمها فُجورها وَتقْواها﴾.
٤) والنفص المطمئنة يجوز السالك عقبتها بذكر (حق) فيسكن اضطرابها ويخشع هيجانها.
وتزول عنها الصفات الدميمة، وتصبح متطلعة إلى المقامات العلا، وذلك مقام الشهود:
﴿ياأَيتُها النَّفْس المطْمئَنَّةُ﴾.
٥) والنفس المرضية يجوز عقبتها السالك بذكر (حى) فتسقط عنها المقامات وتفنى عن
مرادها وتصل إلى مقام الكمال والوصال ﴿ا  رجِعِى إَلى ربكِ راضِيةً﴾.
٦) والنفس المرضية يجوز عقبتها السالك بذكر (قيوم) فيزداد على النفس توارد الأحوال
حتى تصبح تعلقة بالله يتساوى عندها وصلة وجفاه فهى لا ترجو إلا رضاه وذلك مقام
الحياة والأنوار ﴿ا  رجِعِى إَلى ربكِ راضِيةً م  رضِيةً﴾.
٧) والنفس الكاملة يجوز عقبتها السالك بذكر (قهار) فتؤمر النفس الكاملة بالرجوع إلى
الخلق لإرشادهم وهدايتهم وذلك مقام تجليات الأسماء والصفات. ﴿ياأَّيتُها النَّفْس
المطْمئِنَّةَ ا  رجِعِى إَلى ربكِ راضِيةً م  رضِيةً فا  دخُلِى فى عِبادِى وا  دخُلى جنَّتِى﴾.
( فأمهات الأسماء عندهم ( ١) لا إله إلا الله. ( ٢) الله. ( ٣) هو. ( ٤) حق. ( ٥) حى. ( ٦
قيوم. ( ٧) قهار.
فإذا استطاع السالك قطع عقبات النفس السبعة أصبحت نفسه مستعدة للتخلق بأخلاق الله
ومن ثم يلهمه الله الاسم الأعظم الذى غذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وهذه
الأسماء السبعة هى المصطلح عليها فى طريق الصوفية.
لا اله الا الله الله هو حق حى قيوم قهار
النفس الأمارة اللوامة الملهمة المطمئنة الراضية المرضية النفس الكاملة
السير الي الله السير بالله السير علي الله السير مع الله السير في الله السير عن الله السير لله
عالم الشهادة عالم البرزخ عالم الأرواح عالم الحقيق عالم الاركان عالم الغيب عالم كثرة ووحده
حالة الميل إلى
الشهوات
حالة المحبة
 حالة العشق حالة الوصلة حالة الفناء حالة الحيرة حالة البقاء
محلة الصدر محلة القلب محلة الروح محلة السر محلة سر السر محلة الفؤاد محلة مستوى السر
شريعة طريقة معرفة حقيقة ولاية ذات الشريعة ذات الكل
نوره أزرق نوره أصفر نوره أحمر نوره أبيض نوره أخضر نوره أسود نوره لا لون له

باب جامعلآداب جميع ماتقدم من الأيواب


باب جامع لآداب جميع ما تقدم من هذه الأبواب
الطهارة وأصلها الحدث الموجب للوضوء أو الغسل، وإنما كان سبب ذلك الأكل وما
تولد من شهوته وهو الجماع، لأنه أقوى حكماً من الأكل، فكذلك عوقب فيه بعموم البدن
بالغسل، وأما الوضوء فإنما سببه الصلاة فقط دون غيرها، فخوطب فيه بغسل الأطراف
تخفيفاً. وكان سبب أكل آدم عليه الصلاة والسلام من الشجرة إرادة الحق بواسطة إبليس
فوجب تطهير كل ما سرت فيه تلك الأكلة التى كان إبليس سببها، لأنه قذر تولد من إغوائه
القذر والنجس، فلذلك جاء الشرع بوجوب الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج تطهيراً
واستعداداً، كما ورد فى الصحيح أن تلك الأكلة التى أكلها من الشجرة أقامت فى بطنه ثلاثين
يوماً وطلبت الخروج وليست الجنة محلاً لمثل ذلك، وكذلك الحج إنما كان سبباً لتوبته حتى
تلقى الكلمات من ربه فى تلك المنازل.
وكذلك الزكاة إنما وجبت لتعاطيهم أسباب الدنيا التى سببها بقاء هذه النية بالأكل
والشرب والجماع وليست الدنيا غير ذلك، وذلك كله هو من معنى قوله صلي الله عليه وسلم:
الطهور شطر الإيمان، ولما كانت الدار الآخرة دار الكمال ومحل الطهارة والنزاهة عن
الأقدار والخبائث التى اشتملت عليه هذه الدار، طولب العبد بالطهارة والاستعداد للوقوف بين
يدى الحق تعالى ومجاورته، والدين مبنى على النظافة وهى الطهارة من الأحداث والأوساخ
ظاهراً، ومن المخالفات باطناً فيتشبه بعباد السموات والأرض وغير ذلك من المخلوقات، فإنها
كلها طاهرة متنزهة عن المخالفات، عائدة تلك الطهارة لبارئها، وهو القدوس الطاهر جل
وتعالى، وأما آداب الصلاة فاعلم أنها أكبر شعب الإيمان بعد الشهادتين، قال رسول الله صلي
الله عليه وسلم: العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وقال رسول الله صلي الله
عليه وسلم مفتاح الصلاة الطهور، وهو النظافة للدخول على الحق ومناجاته بكلامه وبواسطة
رسوله صلي الله عليه وسلم، فيفتح الصلاة بقوله: الله أكبر من أن يقبل على غيره أو يلتفت
إليه لما عرف من جلال الحق وعظم خطره، حيث كان الحق قبلته والقرآن كلامه والرسول
واسطته، وهذه الحالة لا تكون لشئ من العبادات كلها، فإنها على صورة عبادة العالم أجمع،
فالقيام فى الصلاة وصف من أوصاف القائمين فى الملأ الأعلى الذين لا يركعون أبداً والهبوط
وصف من أوصاف الملائكة المنزلين والركوع وصف من أوصاف الراكعين الخاضعين الذين
لا يرفعون رءوسهم أبداً، والرافع من الركوع وصف من أوصاف الصاعدين، والسجود
وصف من أوصاف الملائكة الساجدين، والخشوع ليكون مع الخائفين والمشتاقين وإلقاء السمع
وذم نفسه عن كل ما لا يليق بالصلاة ليكون من الحافظين الكاتبين، ومع هذا كله فلا يقوم فعل
ذلك وإضعافه بشئ من حقوق الله عز وجل لما لا يملأ قلب المصلى من العظمة والجلال.
وأعلم أن الوجود كله بأجزائه مصل لله تعالى بدوام وجوده لا ينفك عن الصلاة حيث
أقيم فى مقام العبودية لله تعالى، وليس فى العبادات من مقام العبودية لله تعالى فيه أظهر من
الصلاة، فمن أدام النظر والمراقبة ورؤية التقصير ودوام الاستغفار وملازمة الذكر، وعمى
عن عيوب الناس وانفتحت له عيوب باطنه كلها ورأى الوجود كله ظاهراً وباطناً مسبحاً
مصلياً قال الله تعالى: ﴿ولله ي  سجد م  ن فى السمواتِ والأَرضِ طَ  وعا و َ كرها وظِ َ لالُ  هم بالْغُدو
والآصالِ﴾ ومن ترك فقد خالف الخليفة كلها، ولذلك ورد أن تارك الصلاة يحشر مع فرعون
وهامان، لأنه تأبى عن العبودية والتواضع لله كما فعل فرعون، فإن الذى لا يخضع لأحد هو
الله وحده فمن صلى بجسده وفعل أركان الصلاة كما استطاع وأنذر نفسه فى كل ركن من
أركانها فى معانيها الباطنة، فقد صلى بجسده وعقله الصلاة المكتوبة ووجد طعم ذوق معانى
الصلاة وما فيها من الأسرار المكنونة وأطلعه الله على ما يستحقه فى تلك الصلاة من الجزاء
عاجلاً وآجلاً إن شاء الله تعالى.
وأما الزكاة فاعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل الزكاة طهراً للأموال والأبدان من
النقص والفساد فيهما، وتزكية وتنزيها للنفوس والأرواح من خبائث الأوصاف والأخلاق،
والتطهير إنما يكون من الخبث والنجس كما ورد فى الصحيح أنها أوساخ الناس، وكما ورد
فى الماء الذى يتوضأ به الناس إن ذنوبهم وخطاياهم تخرج منهم فيه وقد خلق الله الخلق وأفقر
بعضهم إلى بعض وجعل منهم الأغنياء والفقراء وذوى الحاجات المختلفة ليستقيم إيجاد
الخليفة، فلو خلقوا كلهم أغنياء أو فقراء لبطلت حكمة الوجود كما قال تعالى: ﴿ورَف  عَنا ب  عض  هم
فَ  وقَ ب  عضٍ درجاتٍ لِيتخِذَ ب  عضهم بعضا سخْرِيا﴾ فجعل للفقراء وذوى الحاجات حقوقاً فى
أموال الأغنياء هى مفروضة عليهم ليس لأصحاب الأموال فيها شئ، لأن المال مال الله
والخلق خلق الله يعطى من يشاء المقدار الذى يشاء على حسب ما بينه النبى صلي الله عليه
وسلم فى شريعته، وقد تقدم بيان ذلك فممسك الزكاة إنما يأكل أو مساخ الناس الفقراء، بل
دماءهم، فأداء الزكاة الواجبة أقل درجات الطهارة فى الأموال، وأما التطوع الزائد فهو للخلل
الذى لعله يقع فى أداء الواجب كما فى الصلاة، وأما كونها طهارة للنفوس والأرواح فلقوله
تعالى: ﴿خُذْ مِ  ن أَموالِهم صدَقةً تُطهرهم وتُزكِّيهِم بها﴾ فمتى لم تؤد المفروضة لم تطهر
الأعضاء بالنوافل المذكورة فى الأحاديث، ولذلك ورد أن مانع زكاة الماشية يبطح وتمشى
عليه بقوائمها وتنطحه بقرونها، لأن أعضاءه لم تنشط بإعطاء الزكاة لأهلها، بل انقبضت
وانضم بعضها إلى بعض بالبخل الشديد الذى لا بخل أكبر منه لأن منع الزكاة أعظم درجات
البخل، وهو بخل بما ليس له، وأداؤها أقل درجات السخاء، لأن ذلك القدر مال الله تعالى تحت
يده وديعه، والمال ماشية وغيرها له علاقة بقلب مالكه فهو يملكه ويشده ويضمه إليه بتلك
العلاقة، والمال طائع له فى جميع ما يصرفه، وباستغراق الحب فيه تعبده المال وصار ذليلاً
لمحبوبه كما ورد: نعس عبد الدينار والدرهم.
ومقام العبودية التذلل تحت أقدام معبوده، فهذا من بعد بعض معانى الزكاة، (اعلم) أن
الوجود كله إذا نظرته وجدته متعبداً لله تعالى بالزكاة كما هو متعبد بجميع شرائع الإسلام، فإن
الدين عند الله الإسلام ﴿وَله أَسَلم م  ن فى السمواتِ والأَرضِ طَ  وعا و َ ك  رها﴾ وإن نظرت إلى
الأرض التى هى أقرب الأشياء إليك وجدتها تعطى أقرب الخلق إليها جميع بركاتها لا تبخل
عليهم بشئ مما أودع عندها من فصول العام كلها، وكذلك النبات يعطى ما عنده من جميع
أنواع الأشجار والحيوان والبحر والسموات والأفلاك والشمس والقمر والنجوم الكل متعاون
بعضه مع بعض لا يدخر شيئاً مما أودعه الحق عنده لغيره كل ذلك فى طاعة الله تعالى، لأن
الوجود كله فقير بعضه إلى بعض قد لزمه الفقر، وشملته الحاجة وعطف بعضه على بعض،
وهكذا شاهد الموقنون جميع ما دعت إليه الرسل بيننا واضحاً فى كل شئ وعاماً فى جميع
الموجودات ولذلك سماهم الله تعالى موقنين قال تعالى: ﴿و َ كذلِك نُرِى إبراهِيم مَلكُو َ ت السمواتِ
والأَرضِ وليكُون مِن الموقِنين﴾.
وأما الصوم فقد تقدم أنه من شعب الإيمان، وأما وجه الحكمة فيه فالنية والحسبة
لأجره على الله تعالى، والصوم عن المنهيات الموبة للعذاب وحفظ الجوارح وزمها وإمساكها
فى أيام الصوم دون لياليه، والصوم وصف من أوصاف الربوبية لا يتصف به على الكمال
والدوام إلا الله كما قال تعالى: ﴿وهو يطْعِم ولا يطْعم﴾، وما فى الصحيح: الصوم لى وأنا
أجزى به، فأضافه إلى نفسه، فالصوم يقطع أسباب التعبدات كلها لغير الله تعالى ويورث
الحرية من رق الشهوات، لأن المراد من الإنسان أن يكون مالكاً للأشياء وخليفة عليها، إلا أن
تكون مالكة له لأنه إذا استغرق فى أغراضه وملكته السهوات فقد قلب الحكمة وصبر الأعلى
أسفل. وأعلم أن اعتبار صوم عام قد شمل الموجودات كلها كغيره من أنواع العبادات، وإذا
الصوم هو الإمساك والتقييد هو الخروج من وظيفة وقيد به كل موجود، وهذا إذا نظرت
الموجودات كلها وجدت كل واحد قد لزم ما قيد به وأمر به فترى الثقيل قد أمسك فى مقامه لا
ينتقل، والخفيف لا يصعد والمتحرك لا يسكن، والساكن لا يتحرك وكل شئ مزموم بزمام
الأمر فاعل لما أمر به تاركاً لما نهى عنه ولذلك ورد فى الأخبار أن لله تعالى فى كل ليلة من
رمضان عتقاء من النار لا تنقطع أسباب الهوى والشهوات التى عتقت هؤلاء واسترقت غيرهم
إلا ما شاء الله تعالى.
(وأما) الحج فهو ركن عظيم من أركان الدين وقد جاء آخر الأركان كلها لأنه جامع
لمعانيها وحقائقها، ولأنه لا يتكرر فى العمر مرتين فكان مطلقاً عن حصر التكرار الموجب
لسآمة العبد ولماله ولما فيه من المشقة بجميع أركان البدن ظاهراً وباطناً، فكان كالتتمة
للشهادتين حيث لم يتكرر على العبد والتفسير عن جمع هذه الأحكام كلها عسير ويكفى منها
إحرام القلب والجسد لله تعالى ظاهراً وباطناً وعلى أدنى أوصاف العبودية التى لا يتحقق بها
على الكمال الأكمل الرسل والورثة والآثار التى وصلت إلينا عن الرسل صلوات الله وسلامه
عليهم، فى تلك الأماكن التى جعلها الله قياماً للناس وكعبة يلجأ إليها الخائفون تغنى عن إيضاح
ما عم حكمه الظاهر والباطن أبد الأبدين ودهر الداهرين، ولما كان معظم أركان الدين مما
تقدم جميعه الجهاد فى سبيل الله عز وجل، لأنه حقيقة تلك الشهادة، لم يكن لمن تخلف عن
صحبة رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولا لمن بعدهم نصيب من الجهاد والشهادة المطلقة،
جعل الله تعالى الحج قائماً مقام الجهاد فى سبيل الله عز وجل كما جعل الله تعالى الزيارة لقبره
صلي الله عليه وسلم قائماً مقام الهجرة، ولا فرق بين الحج والزيارة وبين الجهاد والهجرة قبل
موت رسول الله صلي الله عليه وسلم، وبعده وقد صحت الأحاديث أنه صلي الله عليه وسلم
حى فى قبره يصلى بأذان وإقامة كما أخبر بذلك فى حق موسى وغيره من الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام ليلة المعراج، فله صلي الله عليه وسلم من الحرمة بعد موته أشد منها فى حال
حياته، لأن الأمر فى حال حياته كان يجبر باستغفاره صلي الله عليه وسلم لمن أساء الأدب،
وقد انختم الباب بانتقاله صلي الله عليه وسلم إلى الله تعالى فلا جبر بجنابة بعد موته إلا إن
كان جاهلاً بما وقع منه، حسن الاعتقاد، كثير الاستغفار، وأقل ما يلتزمه عصاة المؤمنين من
الأدب لبلده الشريف كأقل ما يلتزمه أكابر الوزراء لملوكهم، والناس فى الأدب ما بين مقل
ومكثر بقدر ما وسعته إنسانية كل أحد من خوف الحق سبحانه وتعالى. وإلا فالكلام على ذلك
لا يفيد مع خلو القلب عن مثل ذلك كله، ولا شك أن كلام الله تعالى هو الحكم الحق والقول
الفصل، ولم يطرق قلوب أمثال من هم كالأنعام، فكيف لعبد يتجرأ على عبيد سيده يقول لم
تسمعه آذانهم، ولم تعه قلوبهم، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، كما جمع على محبته غيرهم
ممن أراد، ولا اعتراض على من شهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً رسول الله اعتقاداً
جازماً مخالطاً لدمه وروحه ونفسه، وإن خالف الأقوال والأفعال وحساب الكل على الله تعالى
فإنه تعالى يعلم من عباده ما لا يعلمه الخلق من بعضهم بعضاً، والتسليم أسلم للعلماء الراسخين
فكيف لا يكون أسلم لعامة المؤمنين أمثالنا، ومن جملة شعب الإيمان الجماعة لقوله صلي الله
عليه وسلم: من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وقال الله تعالى:
﴿وم  ن ي َ شاقِقِ الرسولَ مِ  ن ب  عدِ ماَتبين لَه الهدى ويتَّبع غَير سبِيلِ المؤْمِنِين نُولِّهِ ما تَولَّى ونُ  صلِهِ
جهنَّم وساءتْ مصِيرا﴾ والجماعة هى التآلف والتمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلي الله
عليه وسلم ظاهراً وباطناً فى جميع الأحوال وهى فرض على كل من شملته الدعوة، فكل ما
اجتمعت الناس عليه واستحسنوه ولم يقدح فى كتاب الله ولا سنة رسول فهو من السنة،
والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا، وأصل الأعيان كله إنما كانت ذرات فما ظهر للأعيان
جرم ومقادير إلا بانضمام أجزاء كثيرة إليها، والحبل الذى يستقى به إنما هو شعرات وسائر
تآلف بعضها إلى بعض حتى سار فى تلك القوة العظيمة والمتانة وهكذا الدين الحنيفى إنما هو
أوامر ونواهى وترغيبات ومحمودات أظهرتها أيدى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
وتممها وختمها من جميع خواتيم الأخلاق كلها سيدا محمد صلي الله عليه وسلم.

كتاب الحج


كتاب الحج
قال الله تعالى: ﴿ولله عَلى النَّاس~ حج الْبيتِ منِ ا  سَتطاع إليهِ سبِيلاً﴾ وكان صلي الله
عليه وسلم يقول: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
فقيل: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال إطعام الطعام وطيب الكلام وإفشاء السلام، وفى رواية
الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: تابعوا ما بين
الحج والعمرة فإنهما تنقيان الفقر والذنوب، كما ينقى الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وكان
يقول: إن آدم عليه السلام أتى البيت الحرام ألف أتية لم يركب فيهن قط من الهند على رجليه،
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع فى الثالثة: قال
ابن عمر رضى الله عنهما: لما هبك آدم من الجنة قال الله: إنى مهبط معك بيتاً أو منزلاً
يطاف حوله كما يطاف حول عرشى، ويصلى عنده كما يصلى حول عرشى، فلما كان من
الطوفان رفع فكان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه فبوأه الله لإبراهيم فبناه من خمسة أجبل
جبل جراء وثبير ولبنان وجبل الطور وجبل الخير، وكان يقول أوحى الله إلى آدم عليه السلام
أن يا آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث، قال وما يحدث على يارب؟ قال: مالا تدرى
وهو الموت. قال وما الموت؟ قال سوف تذوقه، قال من أستخلف من أهلى؟ قال أعرض ذلك
على السموات والأرض والجبال فعرض على السموات فأبت، وعلى الأرض فأبت وعرض
على الجبال فأبت وقبله ابنه قاتل أخيه فخرج آدم من أرض الهند حاجاً فما أكل وشرب فى
منزل نزل فيه إلا صار عمراناً بعده وقرى حتى قدم مكة، فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا
السلام عليك يا آدم بر حجك أما أنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام، والبيت يومئذ من
ياقوته حمراء جوفا، ولها بابان من يطوف يرى من فى جوف البيت، ومن فى جوف البيت
يرى من يطوف، فقضى آدم نسكه، فأوحى الله تعالى إليه: قضيت نسكك؟ قال نعم يارب، قال:
فسل حاجتك تعط، قال حاجتى أن تغفر لى ذنبى وذنب ولدى، قال أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه
حين وقعت بذنبك وأما ذنب ولدك فمن عرفنى وآمن بى وصدق رسلى وكتابى غفرنا له ذنبه،
وكان صلي الله عليه وسلم يقول من مات فى طريق مكة ذاهباً أو راجعاً لم يعرض ولم
يحاسب وفى رواية غفر له، وكان يحث على النفقة فى الحج من وجه حلال أو كسب يد،
ويقول إذا خرج الحج حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله فى الركاب فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه
مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج
بالنفقة الخبيثة فوضع رجله فى الركاب فنادى لبيك نادى مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك
زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور، والواجب فى حج الفرض أن يكون
خالصاً فى نيته وقصده سالماً مما يشغل باله من التجارة وغيرها، ومن عجز فليقل اللهم
غفرانك، وكان صلي الله عليه وسلم يحث على التواضع فى الحج ولبس الخلق من الثياب
اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال أنس: وحج رسول الله صلي الله عليه وسلم على
رحل رث وقطيفة لا تساوى أربعة دراهم، ثم قال اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة، وكان
يحث على تعجيل الحج عند الاستطاعة ويقول تعجلوا إلى الحج يعنى بالفريضة فإن أحدكم لا
يدرى ما يعرض له، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة، وكان يرخص
للأقارب والأجانب أن يحجوا عمن مات وفى ذمته حجة الإسلام أو النذر ويقول: حجوا عنهم،
وكان كثيراً ما يفسر قوله تعالى: ﴿منِ ا  سَت َ طاع إليهِ سبِيلاً﴾ بالزاد والراحلة، وينهى عن
ركوب البحر عند ارتجاجه ويقول: من ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة.
وكثيراً ما كان يقول لا تركب البحر إلا حاجاً أو معتمراً أو غازياً فى سبيل الله عز وجل فإن
تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً، وكان صلي الله عليه وسلم ينهى عن سفر المرأة للحج أو
غيره مسيرة يومين أو ثلاثة إلا بمحرم يصحبها ويقول لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم أو
زوج أو أب أو ابن أو أخ، وكان صلي الله عليه وسلم يحث النساء بعد حجة الإسلام أن يلزمن
قعور بيوتهن، وقال لنسائه عام حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر.
وكانت نساء النبى صلي الله عليه وسلم كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة
بنت زمعة وكانتا تقولان والله لا تحركنا دابة بعد إذ سمعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم
يقول هذه الحجة ثم عليكن بالجلوس على ظهور الحصر فى البيوت، وكان يقول ألا لا يحج
أحد عن غيره حتى يحج عن نفسه، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: أيما صبى حج به أهله
فمات أجزأت عنه فإن أدرك فعليه الحج وأيما رجل مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه،
فإن عتق فعليه الحج.
باب فى الإحرام
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أراد الإحرام يغتسل ويتطيب بأطيب ما يجد،
ويرخص فى الإحرام للحائض والنفساء، ويقول تغسل الحائض والنفساء وتحرم وتقضى
المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت، وكان يقول يهل أهل المدينة من ذى الحليفة ويهل أهل
الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن المنازل، ويهل أهل اليمن من يلملم ويهل أهل
العراق من ذات عرق، ثم يقول هل لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج
والعمرة، فمن كان دونها فمهلة من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة. وكان صلي الله عليه
وسلم يقول ليحرم أحدكم فى إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما
أسفل من الكعبين. وكان صلي الله عليه وسلم إذا أراد الخروج للإحرام ادهن بدهن ليس له
رائحة، ولم يحج صلي الله عليه وسلم من المدينة بعد فريضة الحج إلا حج الوداع، وكان
صلي الله عليه وسلم يعلم الناس كيفية إحرامهم ويقول للنساء أصحاب الضرورات: حجى
واشترطى وقولى اللهم محلى حيثما حبستنى فإنك إن حبست، أو مرضت فقد حللت من ذلك
بشرطك على ربك عز وجل، قال ابن عباس رضى الله عنهما إن النبى صلي الله عليه وسلم
لم يحج من المدينة غير حجة واحدة وهى حجة الوداع فأهل بحجة مفرداً فلما بات بوادى
العقيق قال: إنه أتانى الليلة آت من ربى عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم فى هذا
الوادى المبارك وقل عمرة فى حجة فقرن عند ذلك، فلما دخل مكة قال لأصحابه أحلوا من
إحرامكم بطواف البيت واسعوا بين الصفا والمروة وقصروا، ثم أقيموا حلالاً يحل لكم كل شئ
حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذى قدمتم متعة، فقالوا كيف نجعلها متعة وقد
سمينا الحج؟ فقال افعلوا ما أمرتم ولكن لا يحل منى إحرام حتى يبلغ الهدى محله، وفى رواية
لولا هديى لحللت فتعاظم ذلك عندهم وضاقت به صدورهم وردوا عليه القول، فدخل على
عائشة رضى الله عنها وهو غضبان فرأت الغضب فى وجهه، فقالت من أغضبك أغضبه الله،
قال وما لى لا أغضب وأنا آمر فلا أتبع ثم خرج من عندها وأمر معاوية أن يأخذ من شعره
صلي الله عليه وسلم فتبعه الناس حين ذاك فكانت هذه هى متعته ولم يزل محرماً حتى نحر
الهدى يوم النحر، وقال دخلت العمرة فى الحج إلى الأبد، وإن لم ينوها، وكان ذلك كفعله عام
الحديبية، وقال ابن عباس رضى الله عنهما: قال صلي الله عليه وسلم لأصحابه فى حجة
الوداع حين أراد الإحرام: من أراد الإحرام منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن
يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل فتقسم الناس ثلاث فرق فكان منهم من أهل
بعمرة وتمتع بها إلى الحج فلم يتوجب عليهم فسخ الحج إلى العمرة، ومنهم من أهل بحج
وعمرة وهم الذين رخص لهم النبى صلي الله عليه وسلم فى فسخ الحج إلى العمرة، ومنهم من
أهل بحج وساق فلا يحل من إحرامه حتى يبلغ الهدى محله فلما دخلوا مكة جميعاً فمن كان
أحرم بالعمرة طاف وسعى وحلق وحل له الطيب والمخيط، ومن كان محرماً مقلداً للهدى
فطاف وسعى حتى إذا كان يوم عرفة وقف بها وحلق ورمى ثم حل من إحرامه، وكذلك من
كان قارناً، وقد وقع فى حجة الوداع خلاف كبير بين العلماء هل أحرم بحج أو عمرة أو قارناً،
وقد صحت الأحاديث بذلك كله وأصل شبهة الخلاف فى ذلك أنه صلي الله عليه وسلم أحرم
بذى الحليفة ملبياً للحج وكذلك أصحابه رضى الله عنهم، فلما بات بوادى العقيق قال لهم قولوا
لبيك اللهم عمرة فى حجة فقرنوا عند ذلك، فلما دخلوا مكة جميعاً أمر من لم يكن معه هدى أن
يتمتع، فلما أبوا إلا كفعله وعزم عليهم فسخوا جميعاً، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان فكان ذلك
تخفيفاً على الناس، فقال رجل يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم بل هى للأبد، قال ابن المسيب رضى الله عنه فدخلت العمرة بذلك فى
الحج وإن لم ينوها، ثم قال وبلغنى أن رجلاً شهد عند عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه
سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه ينهى عن العمرة قبل الحج،
وكان يقول: أتانى جبريل فأمرنى أن آمر أصحابى أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية، وفى
رواية أتانى جبريل فقال كن عجاجاً ثجاجاً، والعج التلبية والثج نحر البدن.
وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا لبى أحدكم فليقل لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك
لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وكان بعض الصحابة رضى الله عنهم
يزيد على هذه التلبية لبيك وسعديك والخير بيديك والرغبة إليه والعمل ونحو ذلك من الكلام،
ورسول الله صلي الله عليه وسلم يسمع ذلك فلا يرد عليهم شيئاً، وكان صلي الله عليه وسلم
كلما فرغ من تلبيته سأل الله عز وجل رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار، وكان
صلي الله عليه وسلم يقول يلبى المعتمر حتى يستلم الحجر الأسود والحاج يلبى حتى يرمى
جمرة العقبة، وكانت الصحابة رضى الله عنهم يستحبون للملبى إذا فرغ من تلبيته، أن يصلى
ويسلم على رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأن يكثر من الاستغفار والدعاء لأمور دينه
ودنياه، وكان صلي الله عليه وسلم يقول لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا
السراويل ولا ثوباً مسه ورد ولا زعفران ولا الخفين. وكان صلي الله عليه وسلم يقول لا
تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين وما مس الورد والزعفران من الثياب، ولتلبس ما
أحبت من ألوان الثياب معصفراً أو خزاً أو حلياً أو سراويل أو قميصاً، وكان يقول من لم يجد
نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، وكان يأمر بترك الطيب فى الإحرام
ونزع المخيط ويقول لمن رآه متضمخاً بالطيب اغسله ثلاثاً. وكان صلي الله عليه وسلم ينهى
عن تغطية الرأس ويرخص فى الاستظلال من الحر أو غيره. وكان يقول فى المحرم إذا مات
اغسلوه بماء وسدر وكفنوه فى ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً.
وكان يرخص لمن به أذى من رأسه من قمل ونحوه أن يحلقه أو يسرحه ومن به أذى من
حوصل أن يغطيه وكان يرخص للمحرم فى الغسل للجنابة والنبرد وغسل الرأس بسدر
ونحوه.
وصل فى دخول مكة
كان صلي الله عليه وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التى بالبطحاء، وإذا خرج
خرج من الثنية السفلى. وكان يرفع يديه إذا رأى البيت ويقول: ترفع الأيدى فى الصلاة وغذا
رؤى البيت وعلى الصفا والمروة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت، وكان إذا رأى البيت
قال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من كرمه وشرفه ممن حجه أو
اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً، اللهم أنت السلام ومنك السلام فأحيينا ربنا بالسلام
وادخلنا دار السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، والسنة إذا دخل البيت أن يقصد
مصلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فيصلى فيه ولا يرفع بصره إلى سقف البيت ويحمد الله
تعالى ويثنى عليه ويسأله ويستغفره، وكان ابن عمر رضى الله عنه يتوخى المكان الذى أخبره
به بلال رضى الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم صلى فيه. وكان إذا دخل البيت أتى
ما استقبل من دبر الكعبة فوضع وجهه وخده عليه وحمد الله تعالى وأثنى عليه وسأله
واستغفره ثم انصرف إلى كل ركن من أركان الكعبة فاستقبله بالتكبير والتهليل والتسبيح
والثناء على الله عز وجل والمسألة والاستغفار، وكان لا يخلف بصره موضع سجوده حتى
يخرج من الكعبة، وكان إذا دخل المسجد الحرام أول ما يبدى بالطواف فيستلم الحجر أو يقبله،
وإن كانت زحمة أشار إليه ويرمل ثلاثاً أو يمشى أربعاً.
وكان صلي الله عليه وسلم يستلم الركن اليمانى ويقول إن استلامه يحط الخطايا حطاً،
وكان يذكر الله تعالى فى طوافه بالأذكار المأثورة، فإذا فرغ من طوافه صلى ركعتين خلف
المقام يفعل ذلك كل أسبوع ثم يخرج من باب الصفا للسعى بين الصفا والمروة، فيسعى بينهما
من غير رمل إلا بين الميلين الأخضرين، فإنه يسرع مشيه مقارباً خطاه. وكان يبدأ إذا سعى
بالصفا ويقول ابدءوا بما بدأ الله به، وكان صلي الله عليه وسلم يحسب الذهاب مرة والعودة
مرة أخرى، ويختم السبعة الأِواط بالمروة ويحلق عندها أو يأخذ من شعره ثم يحل من إحرامه
ويلبس المخيط ويفدى ما عليه من دم إن كان وهذه كيفية أعمال العمرة ويزاد للمفرد والقارن
على ذلك من الأعمال الوقوف بعرفة مع استدامة الإحرام، فإذا وقف فليكثر من الدعاء
والاستغفار وكثرة التضرع والابتهال إلى النفر.
والسنة أن يكون خروج الناس غير مؤذ للبهيمة بالسوق ونحوه، فإذا نفر فليبت
بمزدلفة إن نزل بها الحاج وليصل الصبح بها ويقف بالمشعر الحرام مكثراً من الاستغفار
والتضرع، ثم يسير إلى منى فيرمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاه ويذكر الله
بما شاء ثم ينحر ما معه من الهدى. ثم يحلق رأسه أو يقصر ثم يطوف بالبيت ويسعى بين
الصفا والمروة ثم يرجع إلى منى فيقيم إلى أن ينفر فيرمى كل جمرة من الثلاث بسبع حصيات
عند زوال الشمس ثم يأخذ فى أسباب حاجته وما هو محتاج إليه فى طريقه ولا حرج على من
خالف هذا الترتيب فقد قال صلي الله عليه وسلم فى خطبته فى حجة الوداع حين سئل عن
تقديم بعض هذه الأمور عن بعض فقال: افعل ولا حرج. وكان على رضى الله عنه يقول ما
سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج والله تعالى
أعلم.

كتاب الصيام


كتاب الصيام
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا بالأمن
والأمان والسلامة والإسلام، ربى وربك الله، هلال رشد وخير آمنت بالذى خلقك، يقول ذلك
ثلاث مرات وكان إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه، وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بصيام
رمضان إذا أخبره واحد من المسلمين أنه رآه، وأخبره ابن عمر رضى الله عنه برؤية الهلال
فصام وأمر الناس بصيامه، وجاءه أعرابى مرة فقال يا رسول الله: إنى رأيت هلال رمضان،
فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله قال: نعم. قال: أتشهد أن محمداً رسول الله. قال: نعم، قال يا
بلال أذن فى الناس أن يصوموا وأن يقوموا غداً، وكان يقول: صوموا لرؤيته وأفطروا
لرؤيته، وأنسكوا لها. فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين. وكان يقول لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا
يومين أن يكون شيئاً يصومه أحدكم ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه فإن حال
دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا. وكان صلي الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان
ما لا يتحفظه من غيره ويقول احصوا هلال شعبان لرمضان، وكان يقول الصوم يوم
يصومون، والفطر يوم يفطرون والأضحى يوم يضحون، ومناه إنما الصوم والفطر مع
الجماعة ومعظم الناس ولا ينفرد بعقله ورأيه، وإن كان له مستند صحيح فى نفس الأمر،
وكان ينهى عن صوم يوم الشك، وكان عمار بن ياسر رضى الله عنه يقول من صام يوم
الشك فقد عصى أبا القاسم صلي الله عليه وسلم، وكانت الصحابة رضى الله عنهم لا يأمرون
أهل بلد بعيد بالصوم لرؤية أهل بلد آخر كالمدينة والشام ومصر والمغرب ونحو ذلك، وكانوا
لا يرون بأسا بتقدم أهل بلد بيوم على أهل بلد آخر. قال كريب مولى ابن عباس رضى الله
عنهم: بعثتنى أم المفضل بنت الحارث إلى معاوية بالشام فقدمت الشام فاستهل رمضان ورأيت
الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة فى آخر الشهر فسألنى ابن عباس متى رأيتم الهلال؟
فقلت رأيته مع الناس ليلة الجمعة وصاموا وصام معاوية، قال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال
نصومه حتى نكمل الثلاثين، أو نراه، فقلت أفلا تكفى رؤية معاوية وصيامه؟ قال لا هكذا
أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وكان يقول من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له،
وفى رواية من لم يجعل الصيام قبل الفجر فلا صيام له. وكان يرخص فى النية بعد طلوع
الفجر فى صيام النفل ما لم تزل الشمس، وكثيراً ما كان يدخل بيته فيقول هل عندكم شئ
نتغذى به فإن قالوا نعم أكل، وإن قالوا لا قال إنى إذاً صائم، وكان كثيراً ما كان يفطر من
صوم التطوع بعد أن نواه ويقول إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج صدقة فإن شاء
قضاها وإن شاء حبسها، وكان صلي الله عليه وسلم يأمر الصبيان بالصوم حتى يطيقون
الصوم سواء الفرض أو النفل، وكان يرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التى حول
المدينة فيأمر منادى فيقول ألا من أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم
بقية يومه. وكان عمر رضى الله عنه يضرب من يراه يأكل من الصبيان الذين قاربوا البلوغ
وكان إذا بلغ أحد من الصبيان فى أثناء الشهر أو أسلم أحد من الرجال فيه لا يأمره بإعادة ما
مضى من الشهر بل يأمره بإتمام ذلك اليوم الذى بلغ أو أسلم فيه وقضى يوماً آخر عنه.
وصل
كان صلي الله عليه وسلم ينهى عن الوصال والحجامة للصائم من أجل الضعف، وكان
يرخص فى ذلك للأقوياء ويقول: ثلاثة لا يفطرون الصائم: الحجامة والقئ والاحتلام، واحتجم
صلي الله عليه وسلم وهو محرم صائم، وقال أنس رضى الله عنه إنما نهى رسول الله صلي
الله عليه وسلم عن الوصال والحجامة فى الصيام إبقاء على أصحابه، وشفقة، ولم يكن
يحرمهما. وكان يقول من ذرعه القئ فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض. وكان يأمر
باستعمال الأثمد المروح عند النوم ويقول لينقه الصائم. وجاء رجل فقال يا رسول الله اشتكت
عينى أفأكتحل؟ قال نعم. وكان يرخص فى السواك للصائم، وكان يقول من نسى وهو صائم
فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ولا قضاء عليه، وفى رواية من أفطر يوماً
من رمضان لا قضاء عليه، ولا كفارة، قالت عائشة رضى الله عنها كان صلي الله عليه وسلم
يقبلنى كثيراً وهو صائم، وكان يصبح فى نهار رمضان جنباً من جماع غير احتلام، ثم يصوم
ذلك النهار ولا يقضى. وكان يحث الصائم على التحفظ من الغيبة والفحش والكذب ويقول: إذا
كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإذا شاتمه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ
صائم. وكان كثيراً ما يقول من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع
طعامه وشرابه. وكان صلي الله عليه وسلم يقول ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام
من اللغو والرفث، فإن سابك أحد فقل إنى صائم وإن كنت قائماً فاجلس. وكان يقول رب
صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والله أعلم.
وصل
كان صلي الله عليه وسلم يحث على تعجيل الفطر قبل الصلاة ويقول: لا يزال الناس
بخير ما عجلوا الفطر ولم ينتظر بفطرهم النجوم. وكان يقول: يقول الله عز وجل: إن أحب
عبادى إلى أعجلهم فطراً ولا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى
يؤخرون.
وكان يفطر على رطبات قبل أن يصلى، وكثيراً ما كان يفطر بعد الصلاة، وكان
صلي الله عليه وسلم إذا لم يجد رطبات أفطر على تمرات فإن لم يكن حسى حسوات من ماء
ويقول إنه طهور، وكان يحب الفطر على التمر أو شئ لم تصبه الناس، وكان أبو بكر وعمر
رضى الله عنهما لا يفطران إلا بعد الصلاة. وكان يقول إذا أفطر: اللهم لك صمت وعلى
رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى، وكان يحث على
تفطير الصائمين ويقول من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم
شئ، وفى رواية من فطر صائماً على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة فى
ساعات شهر رمضان وصافحه جبريل ليلة القدر ومن صافحه جبريل رق قلبه وكثرت دموعه
فقيل يا رسول الله أفرأيت إن لم يكن عنده، قال فقبضة من طعام، قيل أفرأيت إن لم يكن عنده
قال فمذقة من لبن، قال أفرأيت إن لم يكن عنده قال فشربة من ماء، وكان يحث على السحور
ويقول تسحروا فإن فى السحور بركة، وكان صلي الله عليه وسلم يقول فضل ما بين صيامنا
وصيام أهل الكتاب أكلة السحر، وكان يقول البركة فى ثلاثة: فى الجماعة والثريد والسحور،
وكان يقول إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، وكان يقول استعينوا بطعام السحر على
صيام النهار وبالقيلولة على قيام الليل، وكان يقول ثلاثة ليس عليهم حساب فما طعموا إن شاء
الله تعالى إذا كان حلالاً: الصائم والمتسحر والمرابط فى سبيل الله، وكان يقول السحور كله
بركه فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء، وكان يقول نعم سحور المرء التمر، وكان
يحث على تأخير السحور إلى قريب من الفجر الأول وما بينهما قدر قراءة خمسين آية ثم
يطلع الفجر الثانى، وفى رواية كنا نفرغ من السحور فنبادر إلى صلاة الفجر، وقال حذيفة
رضى الله عنه: كنا نتسحر فى الغلس إلا أن الشمس لم تطلع، يعنى إلى قريب الإسفار، وكان
صلي الله عليه وسلم يقول إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده يشرب منه فلا يدعه حتى
يقضى حاجته، وكان يقول كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الفجر الأحمر، قال الإمام الشافعى
رضى الله عنه ولعل هذا محمول على أحد رجلين إما نائم غلبه النوم عن سحور وعادته أو
رجل لا يطبق الصيام إلا إذا تسحر فى ذلك الوقت لهرمه أو ضعفه انتهى.
وصل
كان صلي الله عليه وسلم يرخص فى الفطر للمسافر ويقول له إن شئت صم وإن شئت
فأفطر، وكانت الصحابة رضى الله عنهم يسافرون مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فمنهم
الصائم ومنهم المفطر ولم يعب على من أفطر فى السفر فى شدة الحر تطييباً لقلوب أصحابه
حين أمرهم فلم يفعلوا، ولما أفطر بلغه عن قوم لم يفطروا وقد بلغ بهم الجهد فقال أولئك
العصاة إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وليس من البر الصيام فى
السفر، وكان إذا جلس يتغذى فى السفر فى نهار رمضان يقول لأصحابه هلموا إلى الغداء إن
الله قد وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة وأرخص له فى الإفطار كما أرخص للحامل
والمرضع إذا خافتا على ولديهما. وكان صلي الله عليه وسلم كثيراً ما يقول لأصحابه إنكم
مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فتكون عزمة، فيفطرون كلهم، وكان مقدار السفر
الذى كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يفطرون فيه على عهده صلي الله عليه
وسلم ثلاثة أميال، وكان يرخص فى الفطر للمريض والشيخ والعجوز والحامل والمرضع،
وكان يأمر الحامل والمرضع بأن تطعم مكان كل يوم مسكيناً، وكان يرخص فى قضاء
رمضان متفرقاً ويقول: قاضى رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع، وكان ابن عباس رضى
الله عنهما يقول لا بأس أن يفرق لقوله تعالى: ﴿فَعِدةُ مِ  ن أيامٍ أُخَر﴾ وقالت عاءشة رضى الله
عنها نزلت ﴿ فَعِدةُ مِ  ن أَيامٍ مَتتابِعات﴾ وكان يقول من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم
عنه مكان كل يوم مسكيناً، وكان ابن عباس رضى الله عنهما يقول: إذا مرض الرجل فى
رمضان ومات ولم يصم أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء وإن نذر قضى عنه وليه، وكان
صلي الله عليه وسلم يقول لمن مرض فى رمضان وأفطر، ثم صح ولم يصم حتى أدركه
رمضان آخر صم الذى أدركته ثم الشهر الذى أفطرت فيه وأطعم كل يوم مسكيناً، وأفطر
عمر رضى الله عنه فى يوم غيم من رمضان فرأى أنه قد أمسى، وغابت الشمس فجاءه رجل
فقير فقال: طلعت الشمس فقال عمر رضى الله عنه: الخطب يسير وقد اجتهدنا ونصوم يوماً
مكانه والله أعلم.
وصل فى صوم التطوع
كان صلي الله عليه وسلم يقول من صام رمضان ثم أتبعه بعد الفطر ستاً من شوال
كان كصيام الدهر، وفى رواية من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة، وفى
رواية خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان يقول صوم عاشوراء يكفر السنة الماضية، وفى
رواية يكفر السنة التى بعدها، وكان يصومه ويأمر بصيامه حتى الصبيان، وكان فى ابتداء
الإسلام واجباً ثم خفف بفريضة رمضان، وصار سنة مؤكدة. وكان صلي الله عليه وسلم يقول
من أوسع على عياله وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته وكان يقول أنتم أحق
بتعظيمه من اليهود فصوموه، وكان يقول خالفوا اليهود وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً، وكان
ابن عباس رضى الله عنهما يرى أن يوم عاشوراء هو تاسع المحرم لا عاشرة وكان يحث
على صوم يوم عرفة ويقول إن صومه يكفر سنتين ماضية ومستقبلة. وكان صلي الله عليه
وسلم ينهى عن صوم عرفة بعرفة وعن صوم العيدين والتشريق، ويقول عيدنا أهل الإسلام
وهى أيام أكل وشرب، وذكر الله تعالى، وكان يكثر الصيام فى شعبان ويقول: إنه شهر يغفل
الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن
يرفع عملى وأنا صائم وأن الله تعالى يكتب فيه على كل نفس ميته تلك السنة فأحب أن يأتينى
أجلى وأنا صائم، وأن الله تعالى يطلع إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع
خلقه إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم أو عاق لوالديه أو مدمن خمر أو قاتل نفس أو مسبل
إزاره، وفى رواية إن الله عز وجل يطلع على عباده فى ليلة النصف من شعبان فيغفر
للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم، وكان صلي الله عليه وسلم يقول:
إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب
الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مبتلى
فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر. وكان يقول: صوموا الأشهر الحرم وأكلفوا فى العمل
ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان يحث على صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وكان
إذا صامها يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء
والخميس، وتارة يصوم أول خميس فى الشهر ثم الاثنين ثم الخميس، وتارة يصوم الاثنين ثم
الخميس، وتارية غير ذلك، وكان كثيراً ما يصومها متوالية الثالث عشر واللذين يليانه، وكان
صلي الله عليه وسلم يقول صيام ثلاثة أيام من كل شهر يذهب وحر الصدر، والوحر الحقد
والغش والوسواس، وكان لا يفطر أيام البيض فى حضر ولا سفر ويقول إن صيامها كصوم
الدهر، وكان يصوم الاثنين والخميس ويقول إنهما يومان ترفع فيهما العمال فأحب أن يعرض
عملى وأنا صائم، وكان صلي الله عليه وسلم يقصد صومهما ويقول إن الله تعالى يغفر فيهما
لكل مسلم إلا متهجرين يقول دعوهما حتى يصطلحا، وفى رواية تفتح أبواب الجنة وتنسخ
دواوين أهل الأرض فى دواوين أهل السماء فى كل اثنين وخميس وينادى هل من مستغفر
فأغفر له وهل من تائب فيتاب عليه وترد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا، وكان صلي
الله عليه وسلم يقول من صام الأربعاء والخميس والجمعة، ثم تصدق بما قل أو كثر غفر له
كل ذنب عمله حتى يصير كيوم ولدته أمه من الخطايا، وكان يقول يوم الجمعة يوم عيد فلا
تجعلوا يوم عيدكم يوم صومكم إلا أن تصوموا يوماً قبله ويوماً بعده، وكان يقول الصائم
المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر، ومن نزل بقوم فلا يصومن إلا بإذنهم، وإذا
دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليدع لهم، وكان يقول
لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه، وفى رواية من
حق الزوج على الزوجة ألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها،
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا إلا رجل كان له عادة والله
أعلم.
وصل فى الاعتكاف
كان صلي الله عليه وسلم يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان ويقول من اعتكف
عشراً من رمضان كان له حجتين وعمرتين، وكان يقول لا اعتكاف إلا بصوم وفى مسجد
جامع، ثم رخص فى الاعتكاف من غير صوم ولو ساعة من نهار أو ليل، وكان صلي الله
عليه وسلم يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره فكان يحيى ليله ويوقظ أهله ويشد
مئزره ويعتزل نساءه، وكان يرغب فى قيام ليلة القدر والتماسها فى العشر الأواخر من
رمضان، ويقول: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وتحصل
الفضيلة بقيامها ولو لم يرها، وكان يأمر من رأى ليلة القدر أن يقول فى دعائه اللهم إنك عفو
تحب العفو فاعف عنى، وصحت الأحاديث أنها تدور فى أيام السنة ولا تكشف إلا لأهل
القرب، وإذا رويت فى غير رمضان فلا تكون إلا فى العشر الأواسط والله تعالى أعلم.

التعفف _ زكاة الفطر


وصل فى الحث على التعفف والكسب وترك المسألة إلا لضرورة
كان صلي الله عليه وسلم يأمر بالقناعة والتعفف، وترك السؤال ويحث على الأكل من
عمل اليد ويقول: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس فى وجهه مزعة لحم، وكان
يقول: من سأل الناس فى غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم جاء يوم القيامة بوجه ليس
عليه لحم، ومن فتح باب مسألة من غير فاقة نزلت به، فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا
يحتسب، وكان يقول من سأل الناس ليثرى به ماله كان خمشوشاً فى وجهه يوم القيامة
ورضفاً يأكله فى جهنم فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر، وسأل العباس رضى الله عنه رسول
الله صلي الله عليه وسلم أن يستعمله على الصدقة فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما
كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس. وكان يقول: إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه
بسخاوة بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذى يأكل ولا يشبع،
واليد العليا خير من اليد السفلى. وكان يقول حينما يفرق الصدقة: أما والله إن أحدكم لا يخرج
بمسألته من عندى يتأبطها حتى يكون إبطه ناراً. فقال عمر: يا رسول الله فلم تعطها إياه؟ قال:
فما أصنع يأبون إلا ذلك، ويأبى الله لى البخل، وكان يقول: إياكم والطمع فإنه الفقر الحاضر،
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: ليس المسكين الذى ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان،
ولكن المسكين الذى لا يجد غنياً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس، وجاء
رجل من الأنصار إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يسأل شيئاً فقال له رسول الله صلي الله
عليه وسلم: أما فى بيتك شئ؟ قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب ونتوضأ
ونأكل فيه، فقال ائتنى بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده فقال: من
يشترى هذين؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من يزيد
على درهم مرتين أو ثلاثاً، فقال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأععطاهما إياه وأخذ الدرهمين
فأعطاهما للأنصارى وقال اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوماً فائتنى به
فأتاه به فشد فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبع ولا
أرينك خمسة عشر يوماً ففعل وجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها
طعاماً، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجئ المسألة نكتة فى
وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث لذى فقر شديد أو ذى عزم غير ملزوم أو
ذى دم موجع وهو الذى يتحمل دية عن قريبه للقاتل، ولم يعقل قتل قريبه. وكان يقول: من
نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيوشك الله له
برزق عاجل أو آجل، ومن جاع أو احتاج فكتمه الناس وأفضى به إلى الله تعالى كان حقاً على
الله أن يفتح له قوت سنة من حلال. وكان يقول بعدل تمر من كسب طيب ولا يقبل الله إلا
الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يرب أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل
الجبل، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربوا فى يد الله أو قال فى كف الله حتى تكون مثل الجبل
فتصدقوا ثم قرأ: ﴿يمحقُ الله الربا وي  ربى الصدَقات﴾ وكان صلي الله عليه وسلم يقول ما
نقص مال من صدقة وما زاد الله عبداً بعفو إلا عز، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وكان
يقول: يقول العبد مالى مالى وإنما من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق
فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس. وكان يقول إن الصدقة تدفع غضب الرب
وتذهب ميتة السوء وتطفئ عن أهليها حر القبول، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة فى ظل
صدقته وكان يقول ثلاثة حق على الله عونهم: الغازى فى سبيل الله. والمكاتب الذى يريد
الأداء. والناكح المتعفف، وكان إذا وجد الأصناف الثمانية دفعها إليهم ويقول للواحد منهم إن
الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره فى الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن
من تلك الأجزاء أعطيتك، وكان إذا لم يجد الأصناف كلها دفعها إلى من يوجد منهم وربما أمر
بدفعها إلى واحد، كما فى قصة سلمة بن صخر وكان يحرم أكل الصدقة على بنى هاشم
ومواليهم دون موالى أزواجهم ويقول: إنها أوساخ الناس، ولا تحل لمحمد ولا لآل محمد. وقد
رأى صلي الله عليه وسلم فى فم الحسين تمرة من تمر الصدقة فقال صلي الله عليه وسلم كخ
كخ ارم بها. أما علمت أنا لا نأكل الصدقة، إن لكم فى خمس الخمس ما يكفيكم ويغنيكم. وقال
لمولاه أبى رافع: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم، وكان يأكل مما وصل إلى
الفقراء من الصدقات ويقول قد بلغ محله، وكانوا كثيراً ما يرسلون إليه مما يعطيه هو لهم من
الصدقات فيأكله، وكانت الصحابة رضى الله عنهم أجمعين يرخصون لبنى هاشم وبنى عبد
المطلب فى أخد الصدقات إذا منعوا حقهم من خمس الخمس، ويأمرون دافعها أن يدفعها على
نوع الهدية لا الصدقة. وهى له عند الله تعالى زكاة، قال أنس رضى الله عنه: جاءت امرأة
إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لى مالا ولى زوج فقير أخذ
الصدقة. وكان يقول الصدقة على المسكين صدقة. وعلى ذى الرحم الكاشح ثنتان صدقة
وصلة والكاشح هو العدو.
وصل فى زكاة الفطر
كان صلي الله عليه وسلم يقول: صيام شهر رمضان معلق ما بين السماء والأرض
ولا يرفع إلا بزكاة الفطر. وكان يأمر بإخراج زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو
صاعاً من زبيب أو صاعاً من دقيق أو صاعاً من طعام أو صاعاً من سلت أو صاعاً من أقط
على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير والغنى والفقير من المسلمين أما الغنى
فيزكيه الله وأما الفقير فيرد عليه أكثر مما أعطى، وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه
وسلم يعطون زكاتهم قبل الفطر بيوم أو يومين، وكان يأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة
ويقول زكاة الفطر طهر للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة
فهى زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات، قال الإمام مالك وقد
حررت الساع الذى كان أهل المدينة يؤدون به على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم
فوجدته خمسة أرطال وثلثا بالعراق وقدره بالقدح المصرى قدحان.
وصل فى النهى
عن أن يسأل الإنسان بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل
هجراً. وكان كثيراً ما يقول: من سأل بالله فأعطوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم
تجدوا ما تكافئون فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه، وكانت عائشة رضى الله عنها تقول
إذا أعطيتم السائل شيئاً فدعا لكم فادعوا له بمثل ما دعا لكم لتكون الصدقة خالصة لكم، وكان
السلف الصالح لا يسألون الفقير الدعاء إذا أسدوا إليه معروفاً رضى الله عنهم أجمعين. وكان
كثيراً ما يحدث عن الخضر عليه السلام فيقول: بينما الخضر ذات يوم يمشى فى سوق بنى
إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال تصدق على بارك الله فيك، فقال الخضر آمنت بالله ما شاء
الله من أمر يكون ما عندى شئ أعطيكه، فقال المسكين أسألك بوجه الله لما تصدقت على فإنى
نظرت السماحة فى وجهك ورجوت البركة عندك، فقال الخضر آمنت بالله ما عندى شئ
أعطيكه إلا أن تأخذنى فتبيعنى، فقال المسكين هل يستقيم هذا؟ قال نعم أقول لقد سألتنى بأمر
عظيم، أما أنى لا أخيبك بوجه ربى، بعنى، قال فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم فمكث
عند المشترى زمناً لا يستعمله فى شئ قال إنما اشترتنى التماس خير عندى فأوصنى بعمل،
قال أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف. قال ليس يشق على قال قم فانقل هذه
الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر فى يوم، فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد
نقل الحجارة فى ساعة قال أحسنت فأحملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. قال ثم عرض للرجل
سفر فقال إنى أحسبك أميناً فاخلفنى فى أهلى خلافة حسنة قال أوصنى بعمل قال إنى أكره أن
أشق عليك، قال ليس يشق على، قال فاضرب من اللبن لبنتى حتى أقدم عليك، قال فمر الرجل
لسفره ثم رجع وقد شيد بناه قال أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ قال سألتنى بوجه الله
ووجه الله أوقعنى فى هذه العبودية، فقال الخضر سأحدثك من أنا، أنا الخضر الذى سمعت به
سألنى مسكين صدقة فلم يكن عندى شئ أعطيه إياه فسألنى بوجه الله تعالى فأمكنته من رقبتى
فباعنى، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرفض سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة لا جلدة ولا
لحم له يتفقع فقال الرجل آمنت بالله شققت عليك يا نبى الله احكم فى أهلى ومالى بما شئت أو
اختر فأخلى سبيلك، قال أحب أن تخلى سبيلى فأعبد ربى، فخلى سبيله فقال الخضر الحمد لله
الذى أوقعنى فى العبودية ثم نجانى منها والله أعلم.

باب الزكاة


كتاب الزكاة
قال الله تعالى: ﴿إنَّما الصدَقاتُ لِلْفُقراءِ والمساكِينِ والعامِلين عليها والمؤَلَّفَةِ قُلُوبه  م وفِى
الرقَابِ وال َ غارمِين وفى سبِيلِ الله وابنِ السبِيلِ فَرِيضةً مِن الله والله علِيم حكِيم﴾ وهى إحدى
أركان الإسلام، والأحاديث فى الأمر بإخراجها وإثم مانعها كثيرة مشهورة، وكان يقول الزكاة
فطرة الإسلام، ومن أدى زكاة فقد ذهب عنه شره فحصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم
بالصدقة ثم قرأ: ﴿ولا ي  حسبن الذِين يب َ خلُون بِما آَتاهم الله مِ  ن فَ  ضلِهِ هو خَيراً لَهم بلْ هو شَر
لَه  م سيطَّوقُون ما بخلُوا بِهِ ي  وم القِيامةِ﴾، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: إن الله فرض على
أغنياء المسلمين فى أموالهم بقدر الذى يسع فقراءهم، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: ما تلف
مال فى بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة، وكان يقول ما منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم القطر من
السماء ولولا البهائم لم يمطروا.
باب ما تجب فيه الزكاة من الحيوان
قال أنس رضى الله عنه كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد كتب كتاب الصدقة
ولم يخرجه حتى توفى فأخرجه أبو بكر من بعده فعمل به حتى توفى فلقد مات عمر يوم مات،
وإن ذلك لمقرون بوصيته، فكان فى منتهى الكتاب فى صدقة الإبل فى كل خمس شاة حتى إلى
أربع وعشرين، فإذا بلغت إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم
تكن بنت مخاض فابن لبون، فإذا زادت على خمس وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس
وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت ففيها جذعة إلى خمس وسبعين،
فإذا زادت ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا كثرت
الإبل ففى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين ابنة لبون ولأن فيه صدقة البقر فى ك ثلاثين من
البقر تبيع أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة، قال معاذ رضى الله عنه: وأمرنى رسول الله صلي
الله عليه وسلم أن لا آخذ ما بين الأربعين والخمسين، ولا بين الستين والسبعين، ولا بين
الثمانين والتسعين، وقال الأوقاص لا فريضة فيها، وكان فيه صدقة الغنم تأخذ من كل أربعين
شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت شاة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى
ثلثمائة فإذا زادت بعد لبيس فيها شئ حتى تبلغ أربعمائة، فإذا كثرت الغنم ففى كل مائة شاة
ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين منهما
يتراجعان بالسوية، ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب من الغنم، وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة
من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها، قال وفى الفضة ربع العشر، فإذا
لم يكن المال إلى تسعين ومائة درهم فليس فيها شئ إلا إن شاء ربها قال أنس رضى الله عنه،
وكان صلي الله عليه وسلم لا يأخذ الصدقة من الإبل والبقر والغنم إلا إذا كانت سائمة ترعى
فى الكلإ المباح طول عامها وكان لا يأخذ الصدقة من الخيل ولا الرقيق، ولا من الحمير،
وكان صلي الله عليه وسلم يقول عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، ومن ولى يتيماً له مال
فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة، وكان صلي الله عليه وسلم يقول أخرجوا الزكاة من
أوسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيرها ولا يأمركم بشرها، ولكن من تطوع قبلناه منه وأجره
على الله تعالى.
باب فى زكاة الذهب والفضة
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: أعطوا صدقة الفضة من كل أربعين درهما، درهماً
وليس فى تسعين ومائة شئ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم، وكان كثيراً ما يقول ليس
فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة، ولا فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وكان
يقول ليس عليك شئ من الذهب حتى يكون لك عشرون ديناراً، يعنى مثقالاً كما ورد فى
حديث آخر، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، وكان صلي الله عليه وسلم يأمر النساء
بإخراج زكاة حليهن إذا بلغ نصاباً، وكانت عائشة تخرج زكاة حلى أولاد أخيها رضى الله
عنهما.
وصل فى زكاة الزروع والثمار
كان صلي الله عليه وسلم يقول فى الزروع والثمار فيما سقت السماء والعيون العشر
ففيما سقى بالسانية، يعنى الساقية أو النضح نصف العشر، وليس فيما دون خمسة أوسق زكاة،
والوسق ستون صاعاً، وتقدير الخمسة أوسق بالكيل المصرى أربعون ويبه تقريباً، وكان صلي
الله عليه وسلم يقول: ليس فى الخضراوات صدقة، وكان ينهى عن إخراج الردئ ويقرأ: ﴿ولا
تيمموا ال َ خبِيثَ مِنْ ه تُنْفِقُون﴾ وأما عسل النحل فمختلف فيه فورد عنه صلي الله عليه وسلم
الأخذ مرة والترك أخرى، وكان يقول فى الركاز الخمس والركاز دفين الجاهلية، وحاصل
الباب أن مراتب الأغنياء والفقراء متفاوته بتفاوت سعتهم وضيقها فمن فضل عن حاجته
وحاجة عياله ومن تلزمه نفقته شئ فليخرجه إلى مستحقه إن لم يكن ذو رحم منه فإنه أولى
من غيره.
باب فى إخراج الزكاة وتعجيلها
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: قد وجب عليك فى مالك صدقة فاحذر ألا تخرجها
فيهلك الحرام الحلال فإن الصدقة ما خلطت مالا إلا أهلكته وكان صلي الله عليه وسلم يرخص
فى تعجيل الزكاة وإخراجها قبل محلها رفقاً بالفقراء والمساكين، وربما أخر أخذها ممن تجب
عليه إلى عامين لحاجته وضرورته وقد تسلف رسول الله صلي الله عليه وسلم من العباس
صدقة عامين بسؤاله لكثرة ماله رضى الله عنه، والعبرة فى ذلك بما يراه الإمام من مصالح
الفريقين والله أعلم، وكان يأمر بتفرقة زكاة كل بلدة على فقرائها القاطنين بها، وهكذا إذا كان
البلد واسعاً كبغداد ومصر ففى كل بلد يفرق أغنياء الحارة زكاتهم على فقراء حارتهم من ذوى
العيال وأصحاب البيوت الخاملين، وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بدفع زكاتهم إلى كل من
ظنوا فيه الفاقة، ولو كان باطن الأمر بخلافه، ويقول وهى مقبولة بكل حال، فإن وقعت فى يد
سارق فلعله يستعف عن سرقته أو فى يد زانية فلعلها تستعف عن زناها، أو فى يد غنى فلعله
يعتبر فينفق مما آتاه الله عز وجل، وكان يقول إنها ستكون بعدى أثرة يعنى شدة وأمور
تنكرونها، فقال رجل فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: تؤدون الحق الذى عليكم، وتسألون الله
الذى لكم، وتسمعون لأمرائكم ولو منعوكم حقكم، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم،
وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عما يأخذ أئمة الجور ظلماً يقع عوضاً عن الصدقة،
وهل نكتم من أحوالنا بقدر ما يعتدون علينا فقال: لا، والله تعالى أعلم

صلوات


باب فى صلاة الجمعة
كان صلي الله عليه وسلم يقول من ترك صلاة الجمعة بغير عذر فليتصدق بدينار، فإن
لم يجد فبنصف دينار، فإن لم يجد فبدرهم أو صاع حنطة أو نصف صاع أو مد، وكان يقول
الجمعة واجبة على كل محتلم سمع النداء فى جماعة إلا عبد مملوك أو امرأة أو صبى، وكان
يرخص فى تركها وقت المطر ولو لم يبتل أسل النعل، وكان صلي الله عليه وسلم يرخص فى
السفر يوم الجمعة لا سيما للجهاد، وكان يحث على التكبير يوم الجمعة مع السكينة والدنو من
الإمام حال الخطبة والصلاة من غير أن يتخطى رقاب الناس. وكان يحث على التطيب
والتجمل والغسل ويقول ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبى مهنته، وكان
يقول إذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ومعهم الصحف يكتبون الأول فالأول،
فإذا خرج الإمام من الصلاة طويت الصحف، وكان صلي الله عليه وسلم يبالغ فى تعظيم يوم
الجمعة ويقول هو سيد الأيام وأعظمها عند الله عز وجل، وأعظم عنده من يوم الفطر ويوم
الأضحى، فيه خلق آدم وفيه أهبط إلى الأرض وفيه توفاه الله وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها
شيئاً إلا أتاه الله إياه ما لم يسأل حراماً، وقال بيده يقللها، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب
ولا سماءٍ ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة، وكان إذا
سئل عن ساعة الإجابة فكان تارة يقول هى ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى
الصلاة، وتارة يقول هى بعد العصر، وتارة يقول آخر صلاة بعد العصر، وكان صلي الله
عليه وسلم يحث على كثرة الصلاة والتسليم عليه يوم الجمعة وليلتها، ويقول أكثروا من
الصلاة على فى الليلة الغراء واليوم الأزهر فإنه يوم مشهود، ما من عبد يصلى فيه إلا
عرضت صلاته على حتى يفرغ، وكان صلي الله عليه وسلم يحث على قراءة سورة الكهف
والدخان ويس وآل عمران فى يوم الجمعة، ويقول: من قرأ هؤلاء السور يوم الجمعة صلى
الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس. وكان يقول لا يقم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يجلس
موضعه ولكن ليقل تفسحوا وتوسعوا إن كان الموضع واسعاً، وكان صلي الله عليه وسلم
يقول: إذا نعس أحدكم فى مجلسه يوم الجمعة فليتحول منه إلى غيره، وكان ينهى الناس عن
التخلف والتحدث يوم الجمعة قبل الصلاة، وكان ينهى عن الحبوة إذا كانوا ناعسين ويرخص
لهم فيها إذا كانوا يقظانين، وكان يرخص فى التنقل لمن حضر قبل الصلاة عند الاستوى يوم
الجمعة ما لم يخرج الإمام، وكان يرخص فى صلاة ركعتين للداخل فى حال الخطبة ويأمره
بالتجوز فيهما، وكان كثير التنقل قبل صلاة الجمعة، وكان يصلى الجمعة فى أكثر أوقاته بعد
الزوال وفى بعضها قبل الزوال وبه أخذ الإمام أحمد وغيره، وكان ينهى عن الكلام والإمام
يخطب يقول: من قال صه فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له، وهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً،
وكان عثمان رضى الله عنه يأمر البعيد عن الإمام بالإنصات ويقول استمعوا وأنصتوا فإن
للمنصت الذى لا يسمع من الحظ مثل ما للمنصت السامع. وكان صلي الله عليه وسلم لا يطيل
الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات. وكان كثيراً ما يقرأ على المنبر يوم الجمعة
سورة ق وكان يقول: طول صلاة الرجل وقصر خطبته من علامة فقهه فأطيلوا الصلاة
وأقصروا الخطبة. وكان كثيراً ما يقول فى خطبته يا أيها الناس إنكم لن تطيقوا فعل كل ما
أمرتم به، ولكن سددوا وقاربوا وأبشروا، وكان إذا نقص الناس وهو يخطب وبقى معه جماعة
يسيرة خطب لهم فإذا رجعوا صلى بهم ولم يعد لهم الخطبة، وانفضوا مرة فى أثناء الصلاة إلا
اثنى عشر رجلاً فصلى بهم ونزل فى ذلك قوله تعالى: ﴿وإ َذا رأَوا تِجارةً أ  و لَ  هواً انْفَضوا إَليها
وَتركُوك قَائِماً﴾، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: من أدرك من الجمعة ركعة فقد تمت
صلاته، وكان إذا اجتمع العيد والجمعة فى يوم اكتفى بالعيد عن الجمعة فإن حضروا صلى
بهم، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات،
فإن عجل به شئ فليصل ركعتين فى المسجد وركعتين إذا رجع.
باب فى صلاة العيدين
وكان صلي الله عليه وسلم يحث على التجمل بالثياب الحسنة فى يوم العيد، ويكره
لبس السلاح فى يومه إلا لخوف من عدو ونحوه، وكان أكثر صلاته العيد فى الصحراء وكان
يخرج إليها ماشياً. وكان لا يخرج لعيد الفطر حتى يأكل شيئاً من تمرٍ ونحوه، وكان لا يأكل
فى الأضحى حتى يرجع، وكان يأمر بإخراج العواتق والحيض والمخدرات من ذوى البيوت
ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وكانت الحيض يعتزلن المصلى ويكبرن خلف الناس، وكان
صلي الله عليه وسلم يرجع من غير الطريق الذى غدا فيه للمصلى، وكان يعجل صلاة
الأضحى ويؤخر صلاة الفطر إلى قريب من وقت الضحى، وكان صلي الله عليه وسلم يكبر
إذا استفتح الصلاة سبعاً قبل القراءة، وفى الثانية خمساً قبل القراءة وكان صلي الله عليه وسلم
لا يصلى قبل العيد شيئاً ولا بعده فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. وكان يقول إذا قضى
صلاة العيد إنا نريد نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب،
وغم هلال شوال على الناس مرة فاصبحوا صائمين فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند
رسول الله صلي الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم
وأن يخرجوا لعيدهم من الغد. وكان يقول كثيراً: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم
يضحى الناس، والصوم يوم يصومون، وعرفة يوم يعرفون. وكان يحث على الذكر والطاعة
فى ليلتى العيدين ويقول من أحيا ليلتى العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. وكان يحث
على التكبير ليلتى العيدين وكثرة الذكر فى أيام عشر ذى الحجة وأيام التشريق، ويقول: ما من
أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام فأكثروا فيهن التهليل والتكبير
والتحميد.
باب فى صلاة الخسوف والكسوف والاستسقاء
كان صلي الله عليه وسلم يصليها على صفات مختلفة كل ذلك بحسب الوحى، فكان إذا
ضعف الخوف فرقهم فرقتين فصلى بكل فرقة ركعة وربما صلى بكل طائفة ركعتين والأمر
فى ذلك كله راجع إلى الإمام وإلى حالة المصلين واهتمامهم بالصلاة، وأما صلاة شدة الخوف
فالأمر فيها واسع. قال الله تعالى: ﴿فَإِ  ن خِفْتُم فَرِجالاً أ  و ركْباناً﴾.
وأما صلاة الكسوف: فكان صلي الله عليه وسلم يقول: ما نقص قوم المكيال والميزان
إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر
من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وكان يحث على كثرة الدعاء والاستغفار ورفع اليدين
وجعل بطونهما إلى الأرض، ويشير بظهر كفه إلى السماء بتواضع وتذلل وتخشع وتضرع،
ولا يزال يدعو حتى تقضى الصلاة، وكانت الصحابة رضى الله عنهم يستسقون بعمه العباس
بعد موت رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهكذا جرت السنة بإخراج الصلحاء والعلماء
والعباد والزهاد والأطفال والبهائم ملحين فى السؤال إلى الله تعالى، مقلعين تائبين نادمين
مستغفرين والله تعالى يقبل عثرة من تضرع واعتذر إليه وسأله. وأما كيفية الصلاة والخطبة
وهيأتها فمذكورة فى كتب الفقه.
باب فى صلاة الجنائز
كان صلي الله عليه وسلم يأمر بتلقين المحتضر لا إله إلا الله ويقول من كان آخر
كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، وكان يأمر بتوجه المحتضر إلى القبلة وتغميض بصره، وأن
يقولوا عنده خيراً فإنه يؤمن على ما قاله أهل الميت. وكان يقول اقرءوا على موتاكم يس فإنها
قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له. وكان يحث على المبادرة
إلى وفاء دين الميت وتعجيل دفنه ويقول نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وكان
يأمر بتغطية الميت بعد نزع ثيابه متى مات فيها، وكان يرخص فى تقبيله بعد موته ويحث
على غسله والمبالغة فى تنظيفه، ويقول: من غسل ميتاً فأدى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما
يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان صلي الله عليه وسلم ينهى عن
غسل الشهداء ويأمر بدفنهم فى ثيابهم ودمائهم وربما صلى على بعضهم، وكان يجمع فى قتلى
أحد بين الرجلين والثلاثة فى الثوب الواحد والقبر الواحد. وكان يقول إذا ولى أحدكم أخاه
فليحسن كفنه، وكانوا يستحبون الخلق على الجديد. وكان يقول لا تغالوا فى الكفن فإنه يلب
سلباً سريعاً انتهى.
وكان يخرج الكفن من رأس المال، وكان يصلى على الغائب عن البلد كما يصلى على
الحاضر فى البلد. وكان يكبر عليه أربع تكبيرات، وربما كبر خمساً أو سبعاً، وكان إذا كبر
للإحرام يقرأ الفاتحة ثم يكبر ثم يصلى على النبى صلي الله عليه وسلم ثم يكبر ثم يدعو للميت
فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا ذكرنا وأنثانا، اللهم من
أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ونحو ذلك، ثم يكبر ويقول
اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، ثم يسلم سراً، وكان صلي الله عليه وسلم يقول عند
صلاته على الطفل اللهم أعذه من عذاب القبر وأجعله لنا سلفاً وذخراً وفرطاً وأجراً.
وكان يأمر بتعميق القبر والدفن فى اللحد ويقول للحافر أوسع القبر من قبل الرأس
وأوسع من قبل الرجلين، وكانوا يرون أن حرمة الميت كحرمته حياً، وكانت عائشة رضى الله
عنها تدخل على النبى صلي الله عليه وسلم وأبى بكر تزور قبريهما مكشوفة الوجه فلما دفن
عمر رضى الله عنه ما كانت تدخل إلا منقبه حياء من عمر، ودخل عليها جماعة من الصحابة
وهى محتضرة يبكون عندها فقال شخص منهم: ألا ندفنك عند رسول الله صلي الله عليه
وسلم، فقالت: إنى أكره أن أزكى بذلك على صواحبى، وكان يحث على الدعاء والصدقة وفعل
القربات، وإهدائها للأموات، وكان يقول أفضل الصدقة على الأموات سقى الماء. وكان صلي
الله عليه وسلم يقول: تنفع الصدقة والصوم كل من أقر لله بالتوحيد ومات على ذلك، وكان
يحث على تعزية المصاب بمصيبته ويقول ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبته إلا كساه الله من
حلل الكرامة يوم القيامة، وكان له مثل أجره، وكان يحث صاحب المصيبة على الإكثار من
قوله إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرنى فى مصيبتى واخلفنى خيراً منها، ويقول: ما قال
ذلك أحد إلا خلف الله عليه ما هو خير، وكان يرخص فى البكاء على الميت للرجال والنساء
من غير نوح ولا شق جيب ولا لطم خد ولا نشر شعر ولا غير ذلك مما يفعله أهل الجاهلية،
وكان ينهى عن ذكر مساوئ الأموات ويقول إنهم قد أفضوا إلى ما قدموا وفى رواية لا تسبوا
موتانا فتؤذوا أحياءنا، وكان صلي الله عليه وسلم يعلم الناس كيف يزورون فيقول: إذا خرجتم
إلى المقابر فقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم
لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية، وكان يرخص فى زيارة القبول للرجال، وينهى النساء عن
زيارتها، ثم رخص لهن فيها، وكتب أبو الدرداء مرة إلى سلمان الفارسى هلم إلى الأرض
المقدسة لعلك تموت بها فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحداً وإنما يقدس الإنسان، والله
تعالى أعلم.

باب الصلاة


كتاب الصلاة
قال الله تعالى: ﴿حافِظُوا عَلى الصلَواتِ والصلاَةِ الو  س َ طى وقُوموا لله قَانِتِين﴾ وقال
للمسئ صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ بما معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن
راكعاً ثم ارفع حتى تطمئن رافعاً ثم استجد حتى تطمئن ساجداً ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم
اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك فى صلاتك كلها"، وكان صلي الله عليه وسلم إذا قام
للصلاة صف قدميه وقال: اليسرى تحت صدره ثم يقرأ دعاء الافتتاح سراً وكان يقول اللهم
باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى
الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلنى من خطاياى بالماء والثلج والبرد، وتارة يقول وجهت
وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتى ونسكى
ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. وتارة يقول
سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وتارة يقول غير ذلك كما
هو مشهور، ثم يقول بعد دعاء الافتتاح أعوذ بالله من الشيطان الرجيم سراً ثم يقرأ الفاتحة.
وكان صلي الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة ويسر بها أخرى، وإسراره بها
أكثر، وكانت قراءته يقف عند كل آية ويمد بها صوته، فإذا فرغ من قراءة الفاتحة قال آمين،
ويؤمن معه من خلفه وكان يسكت بعد الفاتحة بقدر ما يقرؤها المأموم، ثم يقرأ صلي الله عليه
وسلم ما تيسر من القرآن وكان يخفف الصلاة فى السفر ونحوه من العوارض ويتوسط فيها
غالباً ويطولها أحياناً، وكان يطول فى قراءة الصبح مالا يطول فى غيرها، وكان يطيل الركعة
الأولى من كل صلاة على ما بعدها، وكانت صلاته بعد إلى التخفيف، وكان صلي الله عليه
وسلم إذا خفف فى الصبح قرأ فيها بالصافات وسورة ق ونحوهما وكان يطول فى الظهر
قريباً من الصبح والعصر على النصف من الظهر وكان صلي الله عليه وسلم يطيل المغرب
أحياناً فيقرأ فيها بالأعراف وبالدخان والطور، وكان صلي الله عليه وسلم يخفف فى العشاء
مالا يخفف فى غيرها طلباً لراحة أصحابه، وكان إذا مر بآية رحمة سأل الله تعالى من فضله
وإذا مر بآية عذاب استعاذ به من عذابه، وإذا مر بآية تسبيح سبح وهكذا فى كل آية بما
يناسبها وكان صلي الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رمى ببصره إلى الأرض نحو موضع
سجوده وكان أخشع الناس فى الصلاة وأشدهم احتراماً. وكان لا يلتفت فيه يميناً ولا شمالاً
ويقول: إن ذلك اختلاس يختلسه الشيطان. وكان صلي الله عليه وسلم أوسع الناس علماً
بالصلاة، قالت عائشة رضى الله عنها: وكنت إذا استأذنت عليه صلي الله عليه وسلم وهو فى
الصلاة يذهب فيفتح الباب لى ثم يرجع إلى موقفه، وكان ذلك الباب إلى جهة القبلة، وكان
يحمل أمامه بنت ابنته وهو فى الصلاة، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام أخذها، وكان إذا أراد
أحد أن يمر بينه وبين الجدار يتقدم حتى يلصق بطنه بالجدار فيمر من خلفه وتضارب عنده
جاريتان فخلص بينهما وهو فى الصلاة، وكان صلي الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة السورة
رفع يديه حذو منكبيه وكبر راكعاً قابضاً بيديه على ركبتيه مفرجاً بين الأصابع إلى القبلة،
وكان صلي الله عليه وسلم يجافى مرفقيه عن جنبيه ويمد ظهره وعنقه حتى يعتدل، ثم يقول
سبحان ربى العظيم مرة أو ثلاثاً وتارة يقول مع ذلك سبحانك اللهم بحمدك اللهم اغفر لى،
وكان صلي الله عليه وسلم كثيراً ما يطول فى الركوع مقدار عشر تسبيحات وكان ركوعه
قريباً من قيامه واعتداله قريباً من ركوعه وسجوده قريباً من اعتداله وجلوسه بين السجدتين
قريباً من سجوده، وكان صلي الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن
حمده ويقول من خلفه من المأمومين ربنا لك الحمد. وكان إذا صلى يطيله أحياناً حتى يقول
الناس قد نسى ثم يقول ربنا لك الحمد حمداً طيباً كثيراً مباركاً ملء السموات وملء الأرض
وملء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبيد لا مانع لما
أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم يهوى ساجداً فيضع ركبتيه، ثم
يديه، ثم جبهته وأنه ثم يقول سبحان ربى الأعلى ثلاثاً، وتارة يقول سبوح قدوس رب الملائكة
والروح، وتارة يقول سجد لك سوادى وأمن بك فؤادى، وتارة يقول غير ذلك مما هو مشهور.
وكان صلي الله عليه وسلم إذا كانت الأرض مطيرة وأراد السجود وضع كساء عليه يجعله
دون يديه إلى الأرض إذا سجد، وكانت الصحابة رضى الله عنهم إذا كانت الأرض حارة ولم
يستطع أحدهم أن يمكن جبهته من الأرض وضع ثوبه فسجد عليه، وكانوا رضى الله عنهم
يسجدون على العمائم والقلانس والمشانق والبرانس والطيالسة ولا يخرجون أيديهم، وكان ابن
عمر يخرج كفيه عن تحت البرنس حتى يضعهما على الحصا التى يضع عليها وجهه. وكان
صلي الله عليه وسلم يسجد على الحصير والبساط والفروة المدبوغة وعلى الأرض وعلى
حسب ما يجد، وكانوا يفرشون له ضمرة من خوص النخل فيصلى عليها فى بعض الأوقات،
وكان صلي الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يرفع يديه من الأرض ويضعهما
على فخذيه ثم يجلس مفترشاً رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويستقبل بأصابعه
القبلة. وكان يطيل الجلوس بين السجدتين حتى يقول الناس قد نسى وتارة يخففه. وكان يقول
فى جلوسه رب اغفر لى يكررها، وتارة يقول رب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارفعنى
وارزقنى واهدنى وعافنى ثم يسجد الثانية كالأولى. وكان صلي الله عليه وسلم إذا رفع رأسه
من السجود نهض على صدر قدميه. وكان يجلس للاستراحة إن لم يكن تشهد التشهد الأول،
فإن كان جلس مفترشاً وأطال الجلوس بالتشهد والدعاء كما يفعل فى الأخير. وكان يخفف
الجلوس أحياناً حتى كأنه على الرضف حتى يقوم، وكان إذا قام من التشهد الأول ينهض
مكبراً رافعاً يديه يستفتح القراءة، وكان إذا جلس فى الركعة الأخيرة جلس مفترشاً فيفرش
رجله اليسرى وينصب اليمنى ويلصق وركه الأيسر بالأرض. وكان صلي الله عليه وسلم
ينهى عن افتراش السبع فيه وهو أن يسجد ماداً ذراعيه على الأرض، وكان فى جلوسه. يضع
كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى ويضع أحد مرفقيه الأيمن على فخذه اليمنى ثم يقبض
ثنتين من أصابعه ويحلق حلقة وتارة يقبض أصابعه كلها إلا المسبحة. وكان صلي الله عليه
وسلم أكثر تشهده بما رواه ابن مسعود عنه صلي الله عليه وسلم، وهو التحيات لله والصلوات
والطيبات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وكان صلي الله عليه وسلم تارة يسمى
قبل التحية. وتارة يبدأ بقوله التحيات لله إلخ. وكان يحث على الصلات عليه فى التشهدين
ويقول إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبى صلي الله عليه وسلم،
ثم ليدعو بعد بما شاء. وكان يعلمهم كيفية الصلاة عليه. عليه الصلاة والسلام فيقول: قولوا
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وبارك على
محمد وعلى آل محمد. كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد
مجيد. وكان يرفع مسبحته اليمنى عند قوله إلا الله، فيحركها ويدعو بها، وكان عليه الصلاة
والسلام يقول إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن
عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيخ الدجال. وكان صلي الله عليه وسلم
كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وكان إذا سلم من
الصلاة قال عن يمينه قبل تحويل صدره السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقول عن يساره السلام
عليكم ورحمة الله. وكان صلي الله عليه وسلم يلتفت حتى يرى بياض خده فى التسليمتين،
وكان عليه الصلاة والسلام يقتصر فى بعض الأحيان عن تسليمة واحدةٍ يسلمها تلقاء وجهه ثم
يميل إلى الشق الأيمن، وكان عليه الصلاة والسلام يحذف السلام ولا يمد مداً، وكان صلي الله
عليه وسلم يأمر المأمومين بالرد على الإمام. وكان صلي الله عليه وسلم إذا سلم انحرف فأقبل
على المأمومين بوجهه منحرفاً إلى جهة من كان عن يمينه فى الصلاة، وكان يأمر بالفصل
بعد الفريضة والنافلة بالتأخير عن مكان الفريضة، وصلى رجل الفريضة ثم قام فصلى النافلة
فأخذ عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمنكبيه فهزه ثم قال اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا
لأنهم لم يكن بين صلاتهم فصل، فرفع النبى صلي الله عليه وسلم بصره وقال: أصاب الله بك
يا ابن الخطاب، وكان صلي الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذى يصلى فيه الصبح حتى
تطلع الشمس فإذا طلعت حسناً قام ويقول من صلى الفجر ثم ذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس
لم يمس جلده النار أبداً. وكان صلي الله عليه وسلم إذا قام ينصرف عن يمينه وربما انصرف
فى بعض الأحيان عن يساره صلي الله عليه وسلم، وكانت الصحابة رضى الله عنهم إذا رأوه
انصرف يثورون إليه حتى يزدحموا فيأخذون يده فيمسحون بها وجوههم وصدورهم. صلي
الله عليه وسلم.
باب فى شروط الصلاة
وهى خمسة: دخول الوقت، والاستقبال، وستر العورة، وطهارة الحدث، وطهارة
الخبث. وكان صلي الله عليه وسلم يحث على الصلاة لأول وقتها ويقول الوقت الأول رضوان
الله، والآخر عفو الله. وكان يقول اسفروا بالفجر فإنه أعظم الأجر، ولما بعث معاذاً إلى اليمن
قال له يا معاذ إذا كان فى الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم،
وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم، وكان يقول وقت
الصبح ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ووقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت صلاة
العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور
الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل، وتارة يقول إلى الفجر. وكان صلي الله عليه
وسلم مع الناس على الراحة إذا اجتمعوا أول الوقت صلى بهم، وإن تأخروا أخر لهم شفقة لهم
ورحمة، وكان يحث على تعجيل الصلاة فى يوم الغيم لا سيما صلاة العصر. وكان يقول من
فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله، وكان صلي الله عليه وسلم يقول لا تزال أمتى
بخير ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم، وكان يقول إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل
صلاة المغرب ولا تعجلوا على عشائكم، وتارة كان يقول لا توخروا الصلاة لطعام ولا غيره
وذلك بحسب ضرورة المصلى، وكان صلي الله عليه وسلم يقول يا بلال اجعل بين آذانك
وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من طعامه والشارب من شرابه فى مهل ويقضى المتوضئ حاجته
فى مهل. وكان يصلى الظهر إذا رحضت الشمس ويبرد بها إذا كان الوقت حاراً ويقول شدة
الحر من فيح جهنم. وكان صلي الله عليه وسلم يعجل بها إذا كان الوقت بارداً، وكان صلي
الله عليه وسلم لا يأمر أحداً إذا خرج الوقت وهنو فى الصلاة أن يقطعها بل كان يأمر
بإتمامها، ويقول من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من
العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر. فى رواية من أدرك سجدة بدل ركعة. وكان
يأمر بقضاء الفوائت فرضاً ونفلاً، ويقول إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذ
ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك فإن الله عز وجل يقول: ﴿أَقمِ الصلاةَ لِذِكْرِى﴾ وسهر صلي الله
عليه وسلم فى سفر هو واصحابه فما عرسوا حتى مضى غالب الليل فناموا على الصبح فلم
يستيقظوا حتى أيقظهم حر الظهر فجعل الرجل يقوم إلى طهوره دهشاً فأمرهم النبى صلي الله
عليه وسلم أن يسكنوا فسكنوا ثم قال لهم ليس فى النوم تفريط إنما التفريط فى اليقظة وإن هذا
منزل حضرنا فيه الشيطان، وقال بلال ثم ارتحلنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ وقال يا بلال
قم فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلينا فقلنا يا رسول الله ألا نعيدها فى وقتها
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أينهاكم ربكم عن الربا ويأخذه منكم.
الشرط الثانى: استقبال القبلة قال أبو هريرة كان عليه الصلاة والسلام يصلى أولاً نحو
بيت المقدس، كما كانت الأنبياء قبلة فنزلت: ﴿قَ  د نَرى تََقلُّب و  جهِك فى السماءِ فََلنُولِّينَّك قِبَل َ ة
تَ  رضاها فَولِّ و  جهك شَطْر الم  سجدِ الحرامِ وحيثُ ما كَنْتُم فَولُّوا وجوهكُم شَطْره﴾، وكان صلي
الله عليه وسلم إذا علم أحداً يقول: إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر.
وكان كثيراً ما يقول: ما بين المشرق والمغرب قبلة، والمقصود من ذلك إصابة الجهة لا
العين. وكان يرخص فى ترك الاستقبال فى شدة الخوف، وفى النافلة فى السفر على الراحلة،
وكان صلي الله عليه وسلم يرخص فى الصلاة بالإيماء فيها ويكون السجود أخفض من
الركوع إن أمكن وكان لا يأمر بالإعادة من سهى فصلى لغير القبلة.
الشرط الثالث: ستر العورة كان يؤكد ستر العورة فى الصلاة وغيرها ما لم يؤكد فى
غيره، وقد قال لعى احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك فقال له رجل يا رسول
الله فإذا كان القوم بعضهم فى بعض قال إن استطعت أن لا يراها أحد فلا ترينها، قال يا
رسول الله فغذا كان أحدنا خالياً؟ قال فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحى منه. وكان يأمر بستر
الركبة مع العورة، ويرخص فى كشفها فى بعض الأوقات، وكان صلي الله عليه وسلم يقبل
سرة الحسن بن على رضى الله عنهما، وكان أبو هريرة رضى الله عنه يقول للحسن اكشف
لى عن صرتك حتى إنى أقبلها فى الموضع الذى كان صلي الله عليه وسلم يقبل فيحسر له
على قميصه فيقبل. وكان يحث النساء على الستر أكثر من الرجال ويقول إذا قامت إحداكن
إلى الصلاة فتلبس الدرع والخمار. وكان عليه الصلاة والسلام يرخص لهن فى ترك الإزار
إذا كان الدرع سابغاً يغطى ظهور القدمين، وكان ينهى عن تجريد المنكبين فى الصلاة، وقال
لا يصلين أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ، وكان صلي الله عليه وسلم يقول
إذا كان ثوب أحدكم واسعاً فليلتحف به وإن كان ضيقاً فليئتزر به، وفى رواية فإن ضاق
وقصر فليشد به حقوبه ثم يصلى من غير رداء. وصلى عليه الصلاة والسلام بهذه الهيئة مرة
ورداؤه موضوع عنده. وكان عليه الصلاة والسلام يأمر صاحب الثوب بتزريره ويقول ولو
بشوكة ومن لم يزرره فيتحزم، وكان ينهى عن الصلاة فى السراويل من غير داء. وكان ينهى
عن السدل واللثم، بأن يغطى الرجل فاه فى الصلاة والآداب المتعلقة بهديه عليه الصلاة
والسلام فى ذلك كثيرة، وحاصل ذلك هو ما اتفقت عليه الأمة وهو أن ستر السوأتين واجب
وجوباً مؤكداً جاهلية وإسلاماً، وما عدا ذلك فمكروه للرجل كشفه فى الصلاة مباح فى غيرها،
وأما فى حق المرأة فجميع بدنها عورة وأقبح ما فيها فى حق الأجنبى دون وجهها وكفيها،
والله تعالى أعلم.
الشرط الرابع، والخامس: الطهارة من الحدث والحبث فى الثوب والبدن وموضع
الصلاة، قال أبو هريرة رضى الله عنه: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لا يقبل الله
صلاة بغير طهور، وفى رواية لا صلاة لمن لا وضوء له. وكان صلي الله عليه وسلم يقول:
من أحدث فى صلاةٍ فلينصرف، فإن كان فى صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف ليوهمهم أنه
رعف، وكان ابن عباس رضى الله عنهما إذا رعف فى الصلاة يخرج فيغسل الدم ثم يرجع
فيبنى على ما قد صلى ولا يتكلم. وكان يقول: إذا أحدث الرجل وقد جلس لآخر صلاته قبل
أن يسلم فقد جازت صلاته، وفى رواية إذا أحدث الإمام فى آخر صلاته حتى يستوى قاعداً
فقد تمت صلاته، وصلاة من وراءه على مثل صلاته، وبذلك أخذ أبو حنيفة رضى الله عنه.
وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا جلس أحدكم فى المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن
رأى خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما، فإن لم يمسحهما فليحذفهما ويتم صلاته. وكان
يقول صلوا فى مرابض الغنم فإنها مباركة ولا تصلوا فى أعطان الإبل. وكان ينهى عن
الصلاة فى المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وفوق ظهر الكعبة. وكان صلي الله عليه وسلم
يحب الصلاة فى البساتين. وكان ينهى عن صلاة الحاقن، وهو المحصور بالبول، والحاقب،
وهو المحصور بالغائط، والحازق بالحقن والحافر بالريح والمسبل إزاره أو ثوبه والواضع
يديه على خاصرته والمتصلب بالثوب كأهل الكتاب، والصافن والصافد، وهو الصاف القدمين
شبه المقيد، والكافت وهو من يلتحف بردائه ويداه من داخله، والعابث بجوارحه، والسادل،
وهو من يرخى طيلسانه من غير إدارته على العنق. وكان صلي الله عليه وسلم ينهى أن
يصلى الرجل والناس يمرون بين يديه من غير سترة. وكان يقول لا تصلوا خلف النيام ولا
المتحلقين ولا المتحدثين، وكان يقول إذا كان بين أحدكم سترة فلا يضره من مر. وكان صلي
الله عليه وسلم كثيراً ما يقول لا يقطع الصلاة شئ وارءوا ما استطعتم، فإنما هو يعنى المار
شيطان، وكان الرجل من الصحابة رضى الله عنهم يأتى من قبل الصف الأول راكباً وهم
يصلون إلى غير جدار فيمر بين يدى الصف ويرسل دابته ترتع ويدخل فى الصف فلا ينكر
عليه أحد. وكان صلي الله عليه وسلم إذا رأى شخصاً يتكلم فى صلاته أو يشمت عاطساً بقوله
يرحمك الله يقول: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هى التسبيح والتكبير
وقراءة القرآن. وكان لا يأمر جاهلاً بإعادة الصلاة فى أغلب الأحوال ولا يضربه ولا يشمته
بل يتلطف به ويعلمه مما علمه الله، وربما يأمره بالإعادة كما فى حديث المسئ نهره صلاته،
وكان إذا استأذن عليه أحد وهو فى الصلاة تنحنح له تارة، وكان صلي الله عليه وسلم ينفخ فى
الصلاة كثيراً من شدة ما يجد من الخشوع، وكان ينهى عن نفخ التراب عن موضع السجود
ونفخ العبس واللعب، وكان كثير البكاء فى الصلاة، وكان يسمع بصدره أزيز كأزيز المرجل
من شدة البكاء، وكذلك كان الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز
وغيرهم رضى الله عنهم أجمعين.
وكان صلي الله عليه وسلم يقول من نابه شئ فى صلاته فليقل سبحان الله، وكان أبو
برزة الأسلمى يصلى ودابته تنازعه وهو يتبعها فأنكر عليه ذلك بعض الناس، فقال ما عنفنى
أحد عن ذلك منذ فارقت رسول الله صلي الله عليه وسلم وإنى عاشرته وشاهدت تيسيره، وإنى
إذا رجعت مع دابتى أحب إلى من أن أدعها تشغل قلبى، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا
تخويف إلا دعا، ولا استبشار إلا طلب ورغب. وكان يقول: إن الله تعالى لا يزال مقبلاً على
العبد فى الصلاة ما لم يلتفت فإذا حرف وجهه انصرف عنه، وقالت أم سلمة رضى الله عنها:
كان الناس فى عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا قام المصلى يصلى لم يعد بصر أحدهم
موضع قدميه، وكان يكره أن يشبك أصابعه أو يفرقها أو يجلس فى الصلاة، وهو يعتمد على
يده ويقول إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكن فإن التشبك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال
فى الصلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج. وكان يقول إذا نعس أحدكم وهو فى الصلاة فليرقد
حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يذهب فيستغفر فيسب
نفسه وهو لا يدرى، وكان يقول لا يحل لرجل يصلى وهو حاقن بالغائط والبول حتى يتخفف
من ذلك ولو وجد الصلاة قد قامت، وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا قام أحدكم إلى الصلاة
فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى عن جبهته ولا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه، ولكن
عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ثم يدلكه بنعله أو خفه أو رجله بالأرض أو يبصق فى طرف
ردائه، وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بقتل الأسودين فى الصلاة الحية والعقرب ولو حصل
بذلك أفعال كثيرة، وكان إذا التبست عليه القراءة أو ترك آية فى قراءته وأخبروه بذلك يقول:
هلا ذكرتمونى إن فيكم من لا يحكم طهارته فليس ذلك عليه والله أعلم.
باب فى صلاة التطوع
كان صلي الله عليه وسلم يواظب على عشر ركعات فى الحضر دائماً ركعتين قبل
الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء فى بيته وركعتين قبل
الصبح وكان يحث كثيراً على هذه السنن ويقضيها إذا فاتته وفى رواية كان يواظب على ثنتى
عشرة ركعة وعد أربع قبل الظهر بزيادة ركعتين، وكان صلي الله عليه وسلم يزيد على ما
ذكر فى بعض الأحيان فيصلى أربعاً قبل الظهر أو ثمانى وأربعاً قبل العصر. وكان يحث
على صلاة الوتر ويقول الوتر حق لا واجب ومن لم يوتر فليس منا. وكان يقول صلاة الليل
مثنى مثنى، فإذا خفت الفجر أوتر بواحدة، وكان يوتر بثلاث وتارة بخمس، وتارة بسبع وتارة
بإحدى عشر، وتارة بثلاث عشر، من هذه الصورة الأخيرة ركعتا الفجر. وكان صلي الله عليه
وسلم إذا أوتر بثلاث يفصل بينهما بالسلام وتارة يصليها كالمغرب ثم نهى بعد ذلك عن
الوصل، وقال أوتروا بخمس ولا تشبهوا بصلاة المغرب، وكان يقرأ فى وتره بالثلاث فى
الركعة الأولى سبح اسم ربك الأعلى، والثانية قل يا أيها الكافرون، والثالثة الإخلاف
واملعوذتين وكان لا يزيد فى صلاة الليل فى رمضان وغيره عن إحدى عشرة ركعة يوتر
بالأخيرة منها وهو قوله تعالى: ﴿ومِن اللَّيلِ فََتهجد بِهِ نافِلةً لَك﴾، وكانت الصحابة رضى الله
عنهم يزيدون على ذلك ما شاءوا وإنما كان صلي الله عليه وسلم يقتصر على ما ذكر شفقة
على الأمة فمن وجد منهم قوة فعل ما شاء، وسئلت عائشة رضى الله عنها متى كان يقوم من
الليل فقالت إذا سمع الصارخ تعنى الديك، وكان يصلى من الليل ما شاء فإذا غلبه النوم نام ثم
يستيقظ فيصلى ثم ينام وهكذا إلى الفجر، فإذا صلى الفجر لم يصل بعده شيئاً إلا الصبح، قالت
عائشة رضى الله عنها: ولا أعلم رسول الله صلي الله عليه وسلم قرأ القرآن كله فى ليلة ولا
قام ليلة حتى أصبح، وكان يقول من خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر، ثم ليرقد،
ومن وثق بقيام الليل فليوتر من آخره، وكان على رضى الله عنه يقول الوتر حق وهو ثلاثة
أنواع، فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلى ركعتين
ثم يوتر فعل وإن شاء صلى ركعتين حتى يصبح، وإن شاء آخر الليل أوتر، وكان يحث
أصحابه على قيام الليل ويقول عليكم بقيام الليل ولو بركعة فإنه من دأب الصالحين قبلكم
وقربة إلى ربكم ونهاة عن الآثام وتكفير للسيئات ومطردة الداء عن الجسد، وكان يقول: أفضل
الصلاة بعد المكتوبة الصلاة فى جوف الليل الآخر وهو الأقرب ما يكون الرب من العبد، فإن
استطاع أحدكم أن يكون ممن يذكر الله فى تلك الساعة فليكن، وكان يقول من تعار من الليل
فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، ثم قال
اللهم اغفر لى أو دعا استجيب له فإن صلى قبلت صلاته، وكان صلي الله عليه وسلم يقول:
إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم، وكان يقول ما من امرئ تكون له
صلاة الليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة، وكان يقول من
قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية
كتب من المقربين، وكان أكثر صلاته بالليل وهو قائم، حتى تورمت قدماه، فلما بدن فى آخر
عمره كان أكثر صلاته جالساً وربما كان يجمع بين القيام والجلوس فى ركعة فيقرأ وهو
جالس حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع، وكان يقول من
صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف
أجر القاعد، وكان صلي الله عليه وسلم يقول الصلاة مثنى مثنى وتشهد وتسلم فى كل ركعتين
وتباؤس وتمسكن وتضرع بين يديك يعنى ترفعها إلى السماء مستقبلاً ببطونهما وجهك وتقول
اللهم فمن لم يفعل فهو خداج. وكان يقول إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا
عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها. وكان يقول أول ما يرفع من
هذه الأمة الخشوع، وكان صلي الله عليه وسلم يقول من نام إلى الصبح من الليل ولم يقم فذلك
رجل بال الشيطان فى أذنه، وكان يحث على تحية المسجد، ويقول: أعطوا المساجد حقها،
قالوا وما حقها يا رسول الله؟ قال أن تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا، وكان يحث على الصلاة
عقب كل وضوء ولو ركعتين، وكان ينهى عن التطوع بعد الإقامة ويقول: إذا أقيمت الصلاة
فلا صلاة إلا المكتوبة، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: من كان له حاجة إلى الله أو إلى أحد
من بنى آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله بما هو أهله وليصل
على النبى صلي الله عليه وسلم، ثم ليقل لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله العلى العظيم
سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك
والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لى ذنباً إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا
حاجة هى لك فيها رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. وكان يقول ما من رجل يذنب ثم يقوم
فيتطهر ثم يصلى ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: ﴿والذِين إ َذا فَعلُوا فَاحِ َ شةً أ  و
ظََلموا أنْفُسه  م ذَ َ كروا الله فَا  سَتغْفَروا لِذُنُوبِه  م وم  ن يغْفِر الذُّنَوب إلا الله وَل  م يصِروا عَلى ما فَعلُوا
وه  م ي  عَلمون﴾، وكان صلي الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة فى الأمور كلها ويقول إذا
هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل اللهم إنى استخيرك بعلمك
واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام
الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى وعاجله
وآجله فاقدره لى ويسره لى وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى فى دينى ومعاشى وعاجله
وآجله فاصرفه عنى واصرفنى عنه، وقدر لى الخير حيث كان ثم رضنى به ويسمى حاجته
من نكاح أو سفر أو غيرهما. وكان يحث أصحابه على صلاة التسابيح ويقول هى أربع
ركعات يقول فى كل ركعة منها بعد القراءة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
خمس عشرة مرة، ويقول فى الركوع عشراً وفى الاعتدال عشراً وفى السجود عشراً وفى
التشهد عشراً، وفى الجلوس بين السجدتين عشراً وفى السجدة الثانية عشراً، وفى جلسة
الاستراحة عشراً، وقبل التشهد عشرا فذلك خمس وسبعون فى كل ركعة. وكان صلي الله عليه
وسلم يقول إن استطاع أحدكم أن يفعلها فى كل يوم مرة فليفعل، فإن لم يستطع ففى كل جمعة،
فإن لم يستطع ففى كل شهر، فإن لم يستطع ففى كل سنة، فإن لم يستطع ففى العمر مرة ووقت
لها رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تفعل بعد الزوال، فإن لم يستطع فمن الليل مرة ومن
النهار مرة، وكان يحث أصحابه على فعل هذه الصلاة حتى قال للعباس يا عم إذا عملت ذلك
غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحادثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته، ولو
كنت أعظم أهل الأرض ذنباً غفر لك بذلك.
باب فى صلاة الجماعة
قال أنس رضى الله عنه وكان يحث على صلاة الجماعة ويقول إن من سنن الهادى
الصلاة فى المسجد الذى يؤذن فيه ولو صليتم فى بيوتكم وتركتم مساجدكم ولو تركتم سنة
نبيكم لكفرتم، وكان يقول صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ فى بيته أو سوقه بخمس
وعشرين فإذا صلاها فى فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة، وكان صلي الله
عليه وسلم يقول من صلى العشاء فى جماعة فكأنما أقام نصف الليل، ومن صلى الصبح فى
جماعة فكأنما أقام الليل، وكان ينهى الأئمة عن التطويل بالناس ويقول إذا صلى أحدكم بالناس
فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء،
وكان يقول إنى لأدخل فى الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبى فاتجوز فى صلاتى
مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه، وصلى عمار بن ياسر رضى الله عنه بالناس فخفف من
قراءته فى صلاته ومن الطمأنينة فيها فقيل له تنفست، فقال إنما بادرت به الوسواس وكان
ينهى عن مسابقة الإمام، ويحث على متابعته ويقول إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه
فإذا كبر فكبروا. وإذا قرأ فأنصتوا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن
حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين،
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول رأسه
إلى رأس حمار، وفى رواية صورة كلب وكان يقول خير مساجد النساء قعور بيوتهن وكان
يقول أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا الصلاة، وكان يقول صلاتهن فى بيوتهن خير
لهن، وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا رأى أحداً دخل المسجد بعد ما صلى الناس من
يتصدق على هذا فيصلى معه فيقوم الناس فيصلون معه جماعة ثانية، وكان يقول يؤمر
المسبوق أن يدخل مع الإمام على أى حال، وكان يقول إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود
فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً وفى رواية إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حالٍ فليصنع كما
يصنع الإمام. وكان صلي الله عليه وسلم يرخص لأصحاب الأعذار فى عدم حضور الجماعة
كالليلة الباردة والمطر وبعد المسجد فى شدة الحر ونحو ذلك، ويقول للمنادى للصلاة إذا
تشهدت فلا تقل حى على الفلاح وقل صلوا فى رحالكم وكذا فعل ابن عباس رضى الله عنهما
فى يوم مطر، وقال إنى كرهت أن أخرجكم فتمشوا فى الطين والدحض وكان أبو الدرداء
رضى الله عنه يقول من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ،
وكان يقول يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة،
فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سناً ولا يؤمن
الرجل الرجل فى سلطانه، ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه ولا يحل لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم لا يخص نفسه بدعوات دونهم، فإن فعل فقد خانهم. وكان
صلي الله عليه وسلم يجيز إمامة الأعمى واستخلف ابن أم مكتوم المؤذن على المدينة مرتين
يصلى بهم، وكذلك كان يجيز إمامة الأرقاء، وكان سالم مولى أبى حذيفة يصلى بالمهاجرين
الأولين لما نزلوا بقباء لكونه كان أكثرهم قرآنا، وكان يقول صلوا خلف كل بر وفاجر، وكانت
الصحابة رضى الله عنهم يصلون خلف الحجاج وقد أحصى الذين قتلهم من الصحابة والتابعين
فبلغوا مائة ألف وعشرين ألف، وكان يحث على مساواة الصفوف ويقول: لا تختلفوا فتختلف
قلوبكم، وكان صلي الله عليه وسلم يقول وسطوا الإمام وسدوا الخلل ولينوا فى يد إخوانكم،
وكان صلي الله عليه وسلم إذا رأى رجلاً يصلى خلف الصف يقول له إذا سلم: استقبل صلاتك
فأعدها فإنه لا صلاة لمفرد خلف الصف، وتارة يرخص فى ذلك.
باب فى صلاة المسافر
كان صلي الله عليه وسلم يقصر فى السفر تارة، ويتم أخرى، ويصوم تارة ويفطر
أخرى، وكان أكثر أحواله صلي الله عليه وسلم القصر والفطر، وكان يقول هذه صدقة تصدق
الله بها عليكم فاقبلوا صدقته فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه،
وسئل ابن عمر رضى الله عنهما فقيل له إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر فى القرآن ولا
نجد صلاة السفر، فقال ابن عمر يا ابن أخى إن الله بعث إلينا محمداً صلي الله عليه وسلم ولا
نعلم شيئاً فإنما نفعل كما رأيناه يفعل. وسئل أنس عن مسافة القصر فقال: كان صلي الله عليه
وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أيام أو ثلاثة فراسخ –شك الراوى عن أنس- ركعتين ركعتين
وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقصر فى مسيرة اليوم التام يعنى الطويل. وسئل ابن عباس
رضى الله عنهما عن مسافة القصر فقال مثل ما بين مكة والطائف ومثل ما بين مكة وعسفان،
والأمر فى ذلك على التقريب، وكان صلي الله عليه وسلم يجمع الصلاة تارة تقديماً وتارة
تأخيراً وكان صلي الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزول الشمس أخر الظهر إلى وقت
العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زالت قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ركعتين بإقامتين
وكذلك كان يفعل بالمغرب والعشاء، وكان صلي الله عليه وسلم لا يجمع بين صلاتين فى
الحضر إلا لعذر من مرض أو مطر أو خوف أو ما أشبه ذلك. وكان صلي الله عليه وسلم
يتنقل فى السفر تارة ويترك أخرى وهو الأكثر من فعله صلي الله عليه وسلم.

الوضوء _ الغسل _ التيمم


باب صفة الوضوء
قال الله تعالى: {يا أيها الَّذيِن آمنُوا إ َذا قُ  متُ  م إلى الصلاَةِ فَاغْسِلُوا وجوهكُ  م وأيدِيكُم إَلى
المرافِقِ وا  مسحوا بِرءوسِكُم وأ  رجَلكُم إَلى ال َ ك  عبينِ} وقال صلي الله عليه وسلم "إنما الأعمال
بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وكان يتوضأ بالمد تارة وبثلثية تارة، وبأزيد منه تارة وكان
من أيسر الناس صباً للماء فى الوضوء وكان يحذر أمته من الإسراف فيه ويقول إنه سيكون
فى أمتى من يعتدى فى الدعاء والطهور، واتقوا وسواس الماء، وكان صلي الله عليه وسلم
تارة يتوضأ مرة مرة، وتارة مرتين مرتين، وتارة ثلاثاً، وكان يقول من زاد على ثلاث فقد
أساء وظلم، وغسل صلي الله عليه وسلم بعض أعضائه مرتين وبعضها ثلاثاً فى وضوء
واحد، وكان غالب أحيانه لا ينقص عن الثلاث، وكان يتمضمض ويستنشق بيده اليمنى وكان
تارة يفعلها بغرفة وتارة بغرفتين، وتارة بثلاث. وكان يمسح رأسه كله وتارة بعضه وتارة
يقتصر على مسح العمامة، ومرة يمسح البعض ويكمل المسح على العمامة، وكان أكثر فعله
أن يمسح رأسه كله أو بعضه. ويكمل على العمامة وكان صلي الله عليه وسلم مواظباً على
المضمضة والاستنشاق فى كل وضوء وربما تركها فى بعض الأحيان، وكان وضوءه مترتباً
متوالياً وكان يمسح أذنيه بفضل ماء الرأس وتارة يأخذ لها ماء جديداً وكان يمسح ظاهرهما
وباطنهما. وكان يجاوز المرفقين فى الغسل، وتارة لا يجاوزهما، وكان يقول: أنتم الغر
المحجلون يوم القيامة من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل، ومعنى
التحجيل أن يجاوز فى الرجلين الكعبين وفى اليدين المرفقين، وكان صلي الله عليه وسلم تارة
يصب ماء الوضوء على أعضائه بنفسه، وتارة يستعين بغيره، وكان كثيراً ما يترك تخليل
اللحية والأصابع إذا كان قريب العهد بالتخليل والترجيل، وكان كثيراً ما يتسوك بأصبعه فى
المضمضة ويكتفى به.
باب سنن الفطرة
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: من خصال الفطرة قص وإعفاء اللحية والسواك وقص
الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والاستنجاء والختان، ووقت صلي الله عليه وسلم لقص
الأظافر وقص ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة. وكان ينهى عن نتف
المشيب ويأمر بتغييره، وينهى عن خضبه بالسواد، وكان ينهى عن حلق بعض الرأس وترك
بعضه ويقول: احلقوا الرأس كله، وكان صلي الله عليه وسلم يكتحل بالأثمد كل ليلة عند النوم
ثلاثاً فى هذه، وثلاثاً فى هذه ويقول: إن الكحل بالأثمد ينبت الشعر ويجلو البصر. وكان يتبخر
تارة بالعود وتارة بالمسك والعنبر. وكان يقول: المسك أطيب طيبكم. وكان يقول: من عرض
عليه طيب أو ريحان فلا يرده. وكان يكثر من السواك عند ذكر الله تعالى وعند كل عبادة،
والله تعالى أعلم.
باب ما ينقض الوضوء
كان صلي الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما خرج من السبيلين وكان يقول: لا وضوء إلا
من صوت أو ريح. وكان يقول إذا وجد أحدكم ريحاً بين أليتيه فلا يخرج من المسجد حتى
يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وفى رواية فلا ينصرف حتى يسمع فشيشها أو طنينها، وقال الإمام
على بن أبى طالب كنت رجلاً مذاء فجعلت اغتسل حتى تشقق ظهرى فاستحييت أن أسأل
رسول الله صلي الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقدادين الأسود فسأل رسول الله صلي الله
عليه وسلم فقال: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه وأنثييه وما أصاب من ثوبه بالماء، وسئل
صلي الله عليه وسلم عما يخرج بعد الغسل من الماء فقال: ذلك المذى وكل فحل يمذى، فإذا
وجد أحدكم ذلك فليغسل فرجه وأنثييه ويتوضأ، وكان صلي الله عليه وسلم إذا كان صائماً فقاء
يتوضأ، وكانت الصحابة رضى الله عنهم يصلون وجروحهم تقطر دماً، وكان تارة يأمر
بالوضوء من الجماع بغير إنزال، وتارة يأمر فيه بالغسل، والغسل أحوط، وكان تارة يأمر
بالوضوء من لمس المرأة ومن مس الذكر، وتارة لا يأمر به، وكان يقول: العينان وكاء السنة،
فمن نام فليتوضأ ونام صلي الله عليه وسلم وهو ساجد فسئل عن ذلك فقال: إن الوضوء لا
يجب إلا على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله، وكانت أكابر الصحابة
رضى الله عنهم لا يأخذون إلا بالأحوط فى أمر دينهم ولو كان شاقاً وما كان التوسع من
رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا تألفاً لقلب من أسلم، كما بايع أقواماً على الدخول فى دين
الإسلام بالشهادتين فقط من غير صلاة. وكان يقول توضئوا مما مسته النار ولو من أكل
السويق، وكان صلي الله عليه وسلم أكل مرة كتف شاةٍ ولم يتوضأ ولم يمس ماء، قال ابن
عباس رضى الله عنهما وكان أخذ الأمرين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ترك الوضوء
مما مسته النار، وقال ابن عمر رضى الله عنه: إذا سمعتم شيئاً من رسول الله صلي الله عليه
وسلم أنه أمر به أحياناً ورخص فى تركه أحياناً فقد بين لكم جواز الحالين، والسنة فعل
الأمرين جميعاً، وسئل على رضى الله عنه بمجمع من أكابر الصحابة رضى الله عنهم أجمعين
عن قول عمر رضى الله عنه: هلا كان آخر الحالين هو المعمول به؟ فقال يا ابن أخى إذا
سمعت حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلاً ولا تخرج له ضرباً من
التأويل فإنه لا ناسخ لسننه إلا ما بين هو نسخه وأمر بتركه، ونعتقد فى أمين الله تعالى على
وحيه صلي الله عليه وسلم أن يترك البيان لشئ أمر بتبليغه على حد ما أنزل إليه، وكان صلي
الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من أفاق من نوم أو إغماء أو غشى أو جنون، وكان صلي الله
عليه وسلم يرخص لذوى العاهات والأعذار وقريبى العهد بالإسلام والأمة والخدم فيما لا
يرخص فيه لغيرهم كسلس البول، والمستحاضة ومن تخرج مقعدته وأصحاب الباسور
والقصابين ومن لا يمكنه التحرز من إصابة النجاسة وغيرها. وكان صلي الله عليه وسلم ربما
يأمر بالوضوء والغسل من أخلاق سيئة كأمره بالوضوء من كان مسبلاً إزاره ويقول: إن الله
تعالى لا يقبل صلاة مسبل إزاره، وكالغيبة والنميمة والرفث والفسوق فى الحج، والمشاتمة
والمساببة للصائم والحيل والتضليلات فى أقساط الحقوق. وكانت مراعاة الصحابة لهذه
الحقوق الباطنة أكثر من مراعاتهم لغيرها وعلى ذلك درج السلف الصالح من الصحابة
والتابعين.
باب الغسل
قالت عائشة رضى الله عنها: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال إذا جلس الرجل بين
شعبها الأربع وجهدها وجب الغسل، وفى رواية وجاوز الختان وجب الغسل، وكان صلي الله
عليه وسلم يرخص فى ترك الغسل من الجماع لغير إنزال أول الإسلام، ثم أمر بعد ذلك
بالاغتسال وإن لم ينزل، وسئل صلي الله عليه وسلم عن المرأة إذا احتلمت فقال: عليها الغسل
إذا رأت الماء، وكان يقول تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة. وفى رواية أما
الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن تنقض لتغرف
على رأسها ثلاث غرفات يكفيها، وكان صلي الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل
يديه قبل إدخالهما الإناء ثم غسل فرجه ومسح بيده على الحائط والأرض، ثم توضأ كما
يتوضأ للصلاة ثم أدخل أصابعه فى الماء فخلل بها أصول شعره، ثم صب على رأسه ثلاث
غرف بيده ثم أفاض الماء على جلده، ثم غسل رجليه. وفى رواية كان يغسل الأذى الذى به
قبل الوضوء يصب الماء على الأذى بيمينه ويغسل عنه بشماله. وكان صلي الله عليه وسلم
وأصحابه يستترون حالة الاغتسال، وكان يقول: إن الله تعالى حيى ستير يحب الحياء والستر،
فإذا اغتسل أحدكم فليتوارى بشئ. وكان يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً. وكان إذا
أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يقول ثلاثة لا تقربهم
الملائكة جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوف، والجنب إلا أن يتوضأ. وكان تارة يغسل يده فقط
ثم ينام وتارة ينام وهو جنب ولا يمس ماء وكان صلي الله عليه وسلم يجالس الجنب ويحادثه
فقيل له فى ذلك فقال: إن المسلم لا ينجس. وكان يقول: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا
كلب ولا جنب، وكان يأمر الحائض والنفساء بالغسل عند النقاء كما يغتسل للجنابة. وكان
يأمرها بكثرة الدلك وأن تجعل فى الماء شيئاً من سدر أو ملح. وأن تتبع محل الدم بشئ من
الطيب. وكان يأمر المستحاضة تارة بالوضوء لكل صلاة، وإذا رأت الدم كثيراً أو تارة
بالغسل إذا رأت الدم قليلاً. وكان يقول لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن، وكان
صلي الله عليه وسلم يأمر بالغسل يوم الجمعة والعيدين، ويقول: غسل الجمعة واجب على كل
محتلم كغسل الجنابة، قال ابن عباس رضى الله عنهما وكان بدء الغسل أول الإسلام أن الناس
كانوا يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً، فكانت تثور منهم روائح
مختلفة يؤذى بعضهم بعضاً فلما وجد صلي الله عليه وسلم تلك الروائح قال: أيها الناس إذا
كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه، قال ابن عباش رضى
الله عنهما ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم قال صلي الله
عليه وسلم من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل. وكان يقول من
غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ومن أراد الإسلام فليغتسل بماءٍ وسدر وليختتن،
ويحلق شعره، وكان صلي الله عليه وسلم يكره للنساء دخول الحمام إلا أن تكون مريضة أو
نفساء.
باب التيمم
قال الله تعالى: {وإِ  ن كُنْتُم م  رضى أ  و عَلى سَفرٍ أَو جاء أَحد مِنْكَ  م مِن ال َ غائِطِ أَو لاَم  ستُم
النِّساء فََل  م تَجِدوا ماء فََتيمموا صعِيداً طَيباً فَا  مسحوا بِوجوهِكُم وأيدِيكُ  م مِنه} وكان يتيمم تارة
بضربة واحدةٍ وتارة بضربتين. وكان يتيمم من الأرض التى يصلى عليها تراباً كانت أو سبخة
أو رملاً. وكان يقول: حيثما أدركت رجلاً من أمتى الصلاة فعنده مسجده وطهوره، وكان
صلي الله عليه وسلم يسافر هو وأصحابه السفر الطويل وطريقه رمل وحجارة ولم يجعلوا
معهم تراباً للتيمم، وكانوا رضى الله عنهم يرون أن التيمم قائم مقام الوضوء أو الغسل، ولما
بلغه صلي الله عليه وسلم عن عمار أنه جنب فلم يجد الماء فتمعك فى التراب وصلى فقال له
صلي الله عليه وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك فى التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما
وجهك وكفيك إلى الرسغين. وكانت الصحابة رضى الله عنهم من يمسح إلى المرفقين، ومنهم
من يمسح إلى المفصل بين الكف والذراع ويقرهم النبى صلي الله عليه وسلم على ذلك، وكان
لا يأمر أحداً صلى بالتيمم أول الوقت بإعادة الصلاة إذا وجد الماء فى الوقت وجاءه رجلان
صليا بالتيمم أول الوقت ثم وجد الماء فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر فقال
للذى لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ما كان الله لينهاكم عن الربا ثم يأخذه منكم، وقال
للذى توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين. وكان يقول لمن وجد الماء فى صلاته بالتيمم توضأ فإنه
خير وتارة يسكت ولم يأمره بشئ، وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم، وصلى رجل بلا وضوء ولا تيمم جاهلاً بجواز التيمم فلم يأمره بالإعادة والله
أعلم.