باب فى صلاة الجمعة
كان صلي الله عليه وسلم يقول من ترك صلاة الجمعة بغير عذر فليتصدق بدينار، فإن
لم يجد فبنصف دينار، فإن لم يجد فبدرهم أو صاع حنطة أو نصف صاع أو مد، وكان يقول
الجمعة واجبة على كل محتلم سمع النداء فى جماعة إلا عبد مملوك أو امرأة أو صبى، وكان
يرخص فى تركها وقت المطر ولو لم يبتل أسل النعل، وكان صلي الله عليه وسلم يرخص فى
السفر يوم الجمعة لا سيما للجهاد، وكان يحث على التكبير يوم الجمعة مع السكينة والدنو من
الإمام حال الخطبة والصلاة من غير أن يتخطى رقاب الناس. وكان يحث على التطيب
والتجمل والغسل ويقول ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبى مهنته، وكان
يقول إذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ومعهم الصحف يكتبون الأول فالأول،
فإذا خرج الإمام من الصلاة طويت الصحف، وكان صلي الله عليه وسلم يبالغ فى تعظيم يوم
الجمعة ويقول هو سيد الأيام وأعظمها عند الله عز وجل، وأعظم عنده من يوم الفطر ويوم
الأضحى، فيه خلق آدم وفيه أهبط إلى الأرض وفيه توفاه الله وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها
شيئاً إلا أتاه الله إياه ما لم يسأل حراماً، وقال بيده يقللها، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب
ولا سماءٍ ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة، وكان إذا
سئل عن ساعة الإجابة فكان تارة يقول هى ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى
الصلاة، وتارة يقول هى بعد العصر، وتارة يقول آخر صلاة بعد العصر، وكان صلي الله
عليه وسلم يحث على كثرة الصلاة والتسليم عليه يوم الجمعة وليلتها، ويقول أكثروا من
الصلاة على فى الليلة الغراء واليوم الأزهر فإنه يوم مشهود، ما من عبد يصلى فيه إلا
عرضت صلاته على حتى يفرغ، وكان صلي الله عليه وسلم يحث على قراءة سورة الكهف
والدخان ويس وآل عمران فى يوم الجمعة، ويقول: من قرأ هؤلاء السور يوم الجمعة صلى
الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس. وكان يقول لا يقم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يجلس
موضعه ولكن ليقل تفسحوا وتوسعوا إن كان الموضع واسعاً، وكان صلي الله عليه وسلم
يقول: إذا نعس أحدكم فى مجلسه يوم الجمعة فليتحول منه إلى غيره، وكان ينهى الناس عن
التخلف والتحدث يوم الجمعة قبل الصلاة، وكان ينهى عن الحبوة إذا كانوا ناعسين ويرخص
لهم فيها إذا كانوا يقظانين، وكان يرخص فى التنقل لمن حضر قبل الصلاة عند الاستوى يوم
الجمعة ما لم يخرج الإمام، وكان يرخص فى صلاة ركعتين للداخل فى حال الخطبة ويأمره
بالتجوز فيهما، وكان كثير التنقل قبل صلاة الجمعة، وكان يصلى الجمعة فى أكثر أوقاته بعد
الزوال وفى بعضها قبل الزوال وبه أخذ الإمام أحمد وغيره، وكان ينهى عن الكلام والإمام
يخطب يقول: من قال صه فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له، وهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً،
وكان عثمان رضى الله عنه يأمر البعيد عن الإمام بالإنصات ويقول استمعوا وأنصتوا فإن
للمنصت الذى لا يسمع من الحظ مثل ما للمنصت السامع. وكان صلي الله عليه وسلم لا يطيل
الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات. وكان كثيراً ما يقرأ على المنبر يوم الجمعة
سورة ق وكان يقول: طول صلاة الرجل وقصر خطبته من علامة فقهه فأطيلوا الصلاة
وأقصروا الخطبة. وكان كثيراً ما يقول فى خطبته يا أيها الناس إنكم لن تطيقوا فعل كل ما
أمرتم به، ولكن سددوا وقاربوا وأبشروا، وكان إذا نقص الناس وهو يخطب وبقى معه جماعة
يسيرة خطب لهم فإذا رجعوا صلى بهم ولم يعد لهم الخطبة، وانفضوا مرة فى أثناء الصلاة إلا
اثنى عشر رجلاً فصلى بهم ونزل فى ذلك قوله تعالى: ﴿وإ َذا رأَوا تِجارةً أ و لَ هواً انْفَضوا إَليها
وَتركُوك قَائِماً﴾، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: من أدرك من الجمعة ركعة فقد تمت
صلاته، وكان إذا اجتمع العيد والجمعة فى يوم اكتفى بالعيد عن الجمعة فإن حضروا صلى
بهم، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات،
فإن عجل به شئ فليصل ركعتين فى المسجد وركعتين إذا رجع.
باب فى صلاة العيدين
وكان صلي الله عليه وسلم يحث على التجمل بالثياب الحسنة فى يوم العيد، ويكره
لبس السلاح فى يومه إلا لخوف من عدو ونحوه، وكان أكثر صلاته العيد فى الصحراء وكان
يخرج إليها ماشياً. وكان لا يخرج لعيد الفطر حتى يأكل شيئاً من تمرٍ ونحوه، وكان لا يأكل
فى الأضحى حتى يرجع، وكان يأمر بإخراج العواتق والحيض والمخدرات من ذوى البيوت
ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وكانت الحيض يعتزلن المصلى ويكبرن خلف الناس، وكان
صلي الله عليه وسلم يرجع من غير الطريق الذى غدا فيه للمصلى، وكان يعجل صلاة
الأضحى ويؤخر صلاة الفطر إلى قريب من وقت الضحى، وكان صلي الله عليه وسلم يكبر
إذا استفتح الصلاة سبعاً قبل القراءة، وفى الثانية خمساً قبل القراءة وكان صلي الله عليه وسلم
لا يصلى قبل العيد شيئاً ولا بعده فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. وكان يقول إذا قضى
صلاة العيد إنا نريد نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب،
وغم هلال شوال على الناس مرة فاصبحوا صائمين فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند
رسول الله صلي الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم
وأن يخرجوا لعيدهم من الغد. وكان يقول كثيراً: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم
يضحى الناس، والصوم يوم يصومون، وعرفة يوم يعرفون. وكان يحث على الذكر والطاعة
فى ليلتى العيدين ويقول من أحيا ليلتى العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. وكان يحث
على التكبير ليلتى العيدين وكثرة الذكر فى أيام عشر ذى الحجة وأيام التشريق، ويقول: ما من
أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام فأكثروا فيهن التهليل والتكبير
والتحميد.
باب فى صلاة الخسوف والكسوف والاستسقاء
كان صلي الله عليه وسلم يصليها على صفات مختلفة كل ذلك بحسب الوحى، فكان إذا
ضعف الخوف فرقهم فرقتين فصلى بكل فرقة ركعة وربما صلى بكل طائفة ركعتين والأمر
فى ذلك كله راجع إلى الإمام وإلى حالة المصلين واهتمامهم بالصلاة، وأما صلاة شدة الخوف
فالأمر فيها واسع. قال الله تعالى: ﴿فَإِ ن خِفْتُم فَرِجالاً أ و ركْباناً﴾.
وأما صلاة الكسوف: فكان صلي الله عليه وسلم يقول: ما نقص قوم المكيال والميزان
إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر
من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وكان يحث على كثرة الدعاء والاستغفار ورفع اليدين
وجعل بطونهما إلى الأرض، ويشير بظهر كفه إلى السماء بتواضع وتذلل وتخشع وتضرع،
ولا يزال يدعو حتى تقضى الصلاة، وكانت الصحابة رضى الله عنهم يستسقون بعمه العباس
بعد موت رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهكذا جرت السنة بإخراج الصلحاء والعلماء
والعباد والزهاد والأطفال والبهائم ملحين فى السؤال إلى الله تعالى، مقلعين تائبين نادمين
مستغفرين والله تعالى يقبل عثرة من تضرع واعتذر إليه وسأله. وأما كيفية الصلاة والخطبة
وهيأتها فمذكورة فى كتب الفقه.
باب فى صلاة الجنائز
كان صلي الله عليه وسلم يأمر بتلقين المحتضر لا إله إلا الله ويقول من كان آخر
كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، وكان يأمر بتوجه المحتضر إلى القبلة وتغميض بصره، وأن
يقولوا عنده خيراً فإنه يؤمن على ما قاله أهل الميت. وكان يقول اقرءوا على موتاكم يس فإنها
قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له. وكان يحث على المبادرة
إلى وفاء دين الميت وتعجيل دفنه ويقول نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وكان
يأمر بتغطية الميت بعد نزع ثيابه متى مات فيها، وكان يرخص فى تقبيله بعد موته ويحث
على غسله والمبالغة فى تنظيفه، ويقول: من غسل ميتاً فأدى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما
يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان صلي الله عليه وسلم ينهى عن
غسل الشهداء ويأمر بدفنهم فى ثيابهم ودمائهم وربما صلى على بعضهم، وكان يجمع فى قتلى
أحد بين الرجلين والثلاثة فى الثوب الواحد والقبر الواحد. وكان يقول إذا ولى أحدكم أخاه
فليحسن كفنه، وكانوا يستحبون الخلق على الجديد. وكان يقول لا تغالوا فى الكفن فإنه يلب
سلباً سريعاً انتهى.
وكان يخرج الكفن من رأس المال، وكان يصلى على الغائب عن البلد كما يصلى على
الحاضر فى البلد. وكان يكبر عليه أربع تكبيرات، وربما كبر خمساً أو سبعاً، وكان إذا كبر
للإحرام يقرأ الفاتحة ثم يكبر ثم يصلى على النبى صلي الله عليه وسلم ثم يكبر ثم يدعو للميت
فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا ذكرنا وأنثانا، اللهم من
أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ونحو ذلك، ثم يكبر ويقول
اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، ثم يسلم سراً، وكان صلي الله عليه وسلم يقول عند
صلاته على الطفل اللهم أعذه من عذاب القبر وأجعله لنا سلفاً وذخراً وفرطاً وأجراً.
وكان يأمر بتعميق القبر والدفن فى اللحد ويقول للحافر أوسع القبر من قبل الرأس
وأوسع من قبل الرجلين، وكانوا يرون أن حرمة الميت كحرمته حياً، وكانت عائشة رضى الله
عنها تدخل على النبى صلي الله عليه وسلم وأبى بكر تزور قبريهما مكشوفة الوجه فلما دفن
عمر رضى الله عنه ما كانت تدخل إلا منقبه حياء من عمر، ودخل عليها جماعة من الصحابة
وهى محتضرة يبكون عندها فقال شخص منهم: ألا ندفنك عند رسول الله صلي الله عليه
وسلم، فقالت: إنى أكره أن أزكى بذلك على صواحبى، وكان يحث على الدعاء والصدقة وفعل
القربات، وإهدائها للأموات، وكان يقول أفضل الصدقة على الأموات سقى الماء. وكان صلي
الله عليه وسلم يقول: تنفع الصدقة والصوم كل من أقر لله بالتوحيد ومات على ذلك، وكان
يحث على تعزية المصاب بمصيبته ويقول ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبته إلا كساه الله من
حلل الكرامة يوم القيامة، وكان له مثل أجره، وكان يحث صاحب المصيبة على الإكثار من
قوله إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرنى فى مصيبتى واخلفنى خيراً منها، ويقول: ما قال
ذلك أحد إلا خلف الله عليه ما هو خير، وكان يرخص فى البكاء على الميت للرجال والنساء
من غير نوح ولا شق جيب ولا لطم خد ولا نشر شعر ولا غير ذلك مما يفعله أهل الجاهلية،
وكان ينهى عن ذكر مساوئ الأموات ويقول إنهم قد أفضوا إلى ما قدموا وفى رواية لا تسبوا
موتانا فتؤذوا أحياءنا، وكان صلي الله عليه وسلم يعلم الناس كيف يزورون فيقول: إذا خرجتم
إلى المقابر فقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم
لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية، وكان يرخص فى زيارة القبول للرجال، وينهى النساء عن
زيارتها، ثم رخص لهن فيها، وكتب أبو الدرداء مرة إلى سلمان الفارسى هلم إلى الأرض
المقدسة لعلك تموت بها فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحداً وإنما يقدس الإنسان، والله
تعالى أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق