الجمعة، 22 أبريل 2011

باب الصلاة


كتاب الصلاة
قال الله تعالى: ﴿حافِظُوا عَلى الصلَواتِ والصلاَةِ الو  س َ طى وقُوموا لله قَانِتِين﴾ وقال
للمسئ صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ بما معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن
راكعاً ثم ارفع حتى تطمئن رافعاً ثم استجد حتى تطمئن ساجداً ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم
اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك فى صلاتك كلها"، وكان صلي الله عليه وسلم إذا قام
للصلاة صف قدميه وقال: اليسرى تحت صدره ثم يقرأ دعاء الافتتاح سراً وكان يقول اللهم
باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى
الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلنى من خطاياى بالماء والثلج والبرد، وتارة يقول وجهت
وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتى ونسكى
ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. وتارة يقول
سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وتارة يقول غير ذلك كما
هو مشهور، ثم يقول بعد دعاء الافتتاح أعوذ بالله من الشيطان الرجيم سراً ثم يقرأ الفاتحة.
وكان صلي الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة ويسر بها أخرى، وإسراره بها
أكثر، وكانت قراءته يقف عند كل آية ويمد بها صوته، فإذا فرغ من قراءة الفاتحة قال آمين،
ويؤمن معه من خلفه وكان يسكت بعد الفاتحة بقدر ما يقرؤها المأموم، ثم يقرأ صلي الله عليه
وسلم ما تيسر من القرآن وكان يخفف الصلاة فى السفر ونحوه من العوارض ويتوسط فيها
غالباً ويطولها أحياناً، وكان يطول فى قراءة الصبح مالا يطول فى غيرها، وكان يطيل الركعة
الأولى من كل صلاة على ما بعدها، وكانت صلاته بعد إلى التخفيف، وكان صلي الله عليه
وسلم إذا خفف فى الصبح قرأ فيها بالصافات وسورة ق ونحوهما وكان يطول فى الظهر
قريباً من الصبح والعصر على النصف من الظهر وكان صلي الله عليه وسلم يطيل المغرب
أحياناً فيقرأ فيها بالأعراف وبالدخان والطور، وكان صلي الله عليه وسلم يخفف فى العشاء
مالا يخفف فى غيرها طلباً لراحة أصحابه، وكان إذا مر بآية رحمة سأل الله تعالى من فضله
وإذا مر بآية عذاب استعاذ به من عذابه، وإذا مر بآية تسبيح سبح وهكذا فى كل آية بما
يناسبها وكان صلي الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رمى ببصره إلى الأرض نحو موضع
سجوده وكان أخشع الناس فى الصلاة وأشدهم احتراماً. وكان لا يلتفت فيه يميناً ولا شمالاً
ويقول: إن ذلك اختلاس يختلسه الشيطان. وكان صلي الله عليه وسلم أوسع الناس علماً
بالصلاة، قالت عائشة رضى الله عنها: وكنت إذا استأذنت عليه صلي الله عليه وسلم وهو فى
الصلاة يذهب فيفتح الباب لى ثم يرجع إلى موقفه، وكان ذلك الباب إلى جهة القبلة، وكان
يحمل أمامه بنت ابنته وهو فى الصلاة، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام أخذها، وكان إذا أراد
أحد أن يمر بينه وبين الجدار يتقدم حتى يلصق بطنه بالجدار فيمر من خلفه وتضارب عنده
جاريتان فخلص بينهما وهو فى الصلاة، وكان صلي الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة السورة
رفع يديه حذو منكبيه وكبر راكعاً قابضاً بيديه على ركبتيه مفرجاً بين الأصابع إلى القبلة،
وكان صلي الله عليه وسلم يجافى مرفقيه عن جنبيه ويمد ظهره وعنقه حتى يعتدل، ثم يقول
سبحان ربى العظيم مرة أو ثلاثاً وتارة يقول مع ذلك سبحانك اللهم بحمدك اللهم اغفر لى،
وكان صلي الله عليه وسلم كثيراً ما يطول فى الركوع مقدار عشر تسبيحات وكان ركوعه
قريباً من قيامه واعتداله قريباً من ركوعه وسجوده قريباً من اعتداله وجلوسه بين السجدتين
قريباً من سجوده، وكان صلي الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن
حمده ويقول من خلفه من المأمومين ربنا لك الحمد. وكان إذا صلى يطيله أحياناً حتى يقول
الناس قد نسى ثم يقول ربنا لك الحمد حمداً طيباً كثيراً مباركاً ملء السموات وملء الأرض
وملء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبيد لا مانع لما
أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم يهوى ساجداً فيضع ركبتيه، ثم
يديه، ثم جبهته وأنه ثم يقول سبحان ربى الأعلى ثلاثاً، وتارة يقول سبوح قدوس رب الملائكة
والروح، وتارة يقول سجد لك سوادى وأمن بك فؤادى، وتارة يقول غير ذلك مما هو مشهور.
وكان صلي الله عليه وسلم إذا كانت الأرض مطيرة وأراد السجود وضع كساء عليه يجعله
دون يديه إلى الأرض إذا سجد، وكانت الصحابة رضى الله عنهم إذا كانت الأرض حارة ولم
يستطع أحدهم أن يمكن جبهته من الأرض وضع ثوبه فسجد عليه، وكانوا رضى الله عنهم
يسجدون على العمائم والقلانس والمشانق والبرانس والطيالسة ولا يخرجون أيديهم، وكان ابن
عمر يخرج كفيه عن تحت البرنس حتى يضعهما على الحصا التى يضع عليها وجهه. وكان
صلي الله عليه وسلم يسجد على الحصير والبساط والفروة المدبوغة وعلى الأرض وعلى
حسب ما يجد، وكانوا يفرشون له ضمرة من خوص النخل فيصلى عليها فى بعض الأوقات،
وكان صلي الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يرفع يديه من الأرض ويضعهما
على فخذيه ثم يجلس مفترشاً رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويستقبل بأصابعه
القبلة. وكان يطيل الجلوس بين السجدتين حتى يقول الناس قد نسى وتارة يخففه. وكان يقول
فى جلوسه رب اغفر لى يكررها، وتارة يقول رب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارفعنى
وارزقنى واهدنى وعافنى ثم يسجد الثانية كالأولى. وكان صلي الله عليه وسلم إذا رفع رأسه
من السجود نهض على صدر قدميه. وكان يجلس للاستراحة إن لم يكن تشهد التشهد الأول،
فإن كان جلس مفترشاً وأطال الجلوس بالتشهد والدعاء كما يفعل فى الأخير. وكان يخفف
الجلوس أحياناً حتى كأنه على الرضف حتى يقوم، وكان إذا قام من التشهد الأول ينهض
مكبراً رافعاً يديه يستفتح القراءة، وكان إذا جلس فى الركعة الأخيرة جلس مفترشاً فيفرش
رجله اليسرى وينصب اليمنى ويلصق وركه الأيسر بالأرض. وكان صلي الله عليه وسلم
ينهى عن افتراش السبع فيه وهو أن يسجد ماداً ذراعيه على الأرض، وكان فى جلوسه. يضع
كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى ويضع أحد مرفقيه الأيمن على فخذه اليمنى ثم يقبض
ثنتين من أصابعه ويحلق حلقة وتارة يقبض أصابعه كلها إلا المسبحة. وكان صلي الله عليه
وسلم أكثر تشهده بما رواه ابن مسعود عنه صلي الله عليه وسلم، وهو التحيات لله والصلوات
والطيبات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وكان صلي الله عليه وسلم تارة يسمى
قبل التحية. وتارة يبدأ بقوله التحيات لله إلخ. وكان يحث على الصلات عليه فى التشهدين
ويقول إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبى صلي الله عليه وسلم،
ثم ليدعو بعد بما شاء. وكان يعلمهم كيفية الصلاة عليه. عليه الصلاة والسلام فيقول: قولوا
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وبارك على
محمد وعلى آل محمد. كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد
مجيد. وكان يرفع مسبحته اليمنى عند قوله إلا الله، فيحركها ويدعو بها، وكان عليه الصلاة
والسلام يقول إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن
عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيخ الدجال. وكان صلي الله عليه وسلم
كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وكان إذا سلم من
الصلاة قال عن يمينه قبل تحويل صدره السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقول عن يساره السلام
عليكم ورحمة الله. وكان صلي الله عليه وسلم يلتفت حتى يرى بياض خده فى التسليمتين،
وكان عليه الصلاة والسلام يقتصر فى بعض الأحيان عن تسليمة واحدةٍ يسلمها تلقاء وجهه ثم
يميل إلى الشق الأيمن، وكان عليه الصلاة والسلام يحذف السلام ولا يمد مداً، وكان صلي الله
عليه وسلم يأمر المأمومين بالرد على الإمام. وكان صلي الله عليه وسلم إذا سلم انحرف فأقبل
على المأمومين بوجهه منحرفاً إلى جهة من كان عن يمينه فى الصلاة، وكان يأمر بالفصل
بعد الفريضة والنافلة بالتأخير عن مكان الفريضة، وصلى رجل الفريضة ثم قام فصلى النافلة
فأخذ عمر بن الخطاب رضى الله عنه بمنكبيه فهزه ثم قال اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا
لأنهم لم يكن بين صلاتهم فصل، فرفع النبى صلي الله عليه وسلم بصره وقال: أصاب الله بك
يا ابن الخطاب، وكان صلي الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذى يصلى فيه الصبح حتى
تطلع الشمس فإذا طلعت حسناً قام ويقول من صلى الفجر ثم ذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس
لم يمس جلده النار أبداً. وكان صلي الله عليه وسلم إذا قام ينصرف عن يمينه وربما انصرف
فى بعض الأحيان عن يساره صلي الله عليه وسلم، وكانت الصحابة رضى الله عنهم إذا رأوه
انصرف يثورون إليه حتى يزدحموا فيأخذون يده فيمسحون بها وجوههم وصدورهم. صلي
الله عليه وسلم.
باب فى شروط الصلاة
وهى خمسة: دخول الوقت، والاستقبال، وستر العورة، وطهارة الحدث، وطهارة
الخبث. وكان صلي الله عليه وسلم يحث على الصلاة لأول وقتها ويقول الوقت الأول رضوان
الله، والآخر عفو الله. وكان يقول اسفروا بالفجر فإنه أعظم الأجر، ولما بعث معاذاً إلى اليمن
قال له يا معاذ إذا كان فى الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم،
وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس ينامون فأمهلهم، وكان يقول وقت
الصبح ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ووقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت صلاة
العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور
الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل، وتارة يقول إلى الفجر. وكان صلي الله عليه
وسلم مع الناس على الراحة إذا اجتمعوا أول الوقت صلى بهم، وإن تأخروا أخر لهم شفقة لهم
ورحمة، وكان يحث على تعجيل الصلاة فى يوم الغيم لا سيما صلاة العصر. وكان يقول من
فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله، وكان صلي الله عليه وسلم يقول لا تزال أمتى
بخير ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم، وكان يقول إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل
صلاة المغرب ولا تعجلوا على عشائكم، وتارة كان يقول لا توخروا الصلاة لطعام ولا غيره
وذلك بحسب ضرورة المصلى، وكان صلي الله عليه وسلم يقول يا بلال اجعل بين آذانك
وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من طعامه والشارب من شرابه فى مهل ويقضى المتوضئ حاجته
فى مهل. وكان يصلى الظهر إذا رحضت الشمس ويبرد بها إذا كان الوقت حاراً ويقول شدة
الحر من فيح جهنم. وكان صلي الله عليه وسلم يعجل بها إذا كان الوقت بارداً، وكان صلي
الله عليه وسلم لا يأمر أحداً إذا خرج الوقت وهنو فى الصلاة أن يقطعها بل كان يأمر
بإتمامها، ويقول من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من
العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر. فى رواية من أدرك سجدة بدل ركعة. وكان
يأمر بقضاء الفوائت فرضاً ونفلاً، ويقول إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذ
ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك فإن الله عز وجل يقول: ﴿أَقمِ الصلاةَ لِذِكْرِى﴾ وسهر صلي الله
عليه وسلم فى سفر هو واصحابه فما عرسوا حتى مضى غالب الليل فناموا على الصبح فلم
يستيقظوا حتى أيقظهم حر الظهر فجعل الرجل يقوم إلى طهوره دهشاً فأمرهم النبى صلي الله
عليه وسلم أن يسكنوا فسكنوا ثم قال لهم ليس فى النوم تفريط إنما التفريط فى اليقظة وإن هذا
منزل حضرنا فيه الشيطان، وقال بلال ثم ارتحلنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ وقال يا بلال
قم فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلينا فقلنا يا رسول الله ألا نعيدها فى وقتها
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أينهاكم ربكم عن الربا ويأخذه منكم.
الشرط الثانى: استقبال القبلة قال أبو هريرة كان عليه الصلاة والسلام يصلى أولاً نحو
بيت المقدس، كما كانت الأنبياء قبلة فنزلت: ﴿قَ  د نَرى تََقلُّب و  جهِك فى السماءِ فََلنُولِّينَّك قِبَل َ ة
تَ  رضاها فَولِّ و  جهك شَطْر الم  سجدِ الحرامِ وحيثُ ما كَنْتُم فَولُّوا وجوهكُم شَطْره﴾، وكان صلي
الله عليه وسلم إذا علم أحداً يقول: إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر.
وكان كثيراً ما يقول: ما بين المشرق والمغرب قبلة، والمقصود من ذلك إصابة الجهة لا
العين. وكان يرخص فى ترك الاستقبال فى شدة الخوف، وفى النافلة فى السفر على الراحلة،
وكان صلي الله عليه وسلم يرخص فى الصلاة بالإيماء فيها ويكون السجود أخفض من
الركوع إن أمكن وكان لا يأمر بالإعادة من سهى فصلى لغير القبلة.
الشرط الثالث: ستر العورة كان يؤكد ستر العورة فى الصلاة وغيرها ما لم يؤكد فى
غيره، وقد قال لعى احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك فقال له رجل يا رسول
الله فإذا كان القوم بعضهم فى بعض قال إن استطعت أن لا يراها أحد فلا ترينها، قال يا
رسول الله فغذا كان أحدنا خالياً؟ قال فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحى منه. وكان يأمر بستر
الركبة مع العورة، ويرخص فى كشفها فى بعض الأوقات، وكان صلي الله عليه وسلم يقبل
سرة الحسن بن على رضى الله عنهما، وكان أبو هريرة رضى الله عنه يقول للحسن اكشف
لى عن صرتك حتى إنى أقبلها فى الموضع الذى كان صلي الله عليه وسلم يقبل فيحسر له
على قميصه فيقبل. وكان يحث النساء على الستر أكثر من الرجال ويقول إذا قامت إحداكن
إلى الصلاة فتلبس الدرع والخمار. وكان عليه الصلاة والسلام يرخص لهن فى ترك الإزار
إذا كان الدرع سابغاً يغطى ظهور القدمين، وكان ينهى عن تجريد المنكبين فى الصلاة، وقال
لا يصلين أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ، وكان صلي الله عليه وسلم يقول
إذا كان ثوب أحدكم واسعاً فليلتحف به وإن كان ضيقاً فليئتزر به، وفى رواية فإن ضاق
وقصر فليشد به حقوبه ثم يصلى من غير رداء. وصلى عليه الصلاة والسلام بهذه الهيئة مرة
ورداؤه موضوع عنده. وكان عليه الصلاة والسلام يأمر صاحب الثوب بتزريره ويقول ولو
بشوكة ومن لم يزرره فيتحزم، وكان ينهى عن الصلاة فى السراويل من غير داء. وكان ينهى
عن السدل واللثم، بأن يغطى الرجل فاه فى الصلاة والآداب المتعلقة بهديه عليه الصلاة
والسلام فى ذلك كثيرة، وحاصل ذلك هو ما اتفقت عليه الأمة وهو أن ستر السوأتين واجب
وجوباً مؤكداً جاهلية وإسلاماً، وما عدا ذلك فمكروه للرجل كشفه فى الصلاة مباح فى غيرها،
وأما فى حق المرأة فجميع بدنها عورة وأقبح ما فيها فى حق الأجنبى دون وجهها وكفيها،
والله تعالى أعلم.
الشرط الرابع، والخامس: الطهارة من الحدث والحبث فى الثوب والبدن وموضع
الصلاة، قال أبو هريرة رضى الله عنه: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لا يقبل الله
صلاة بغير طهور، وفى رواية لا صلاة لمن لا وضوء له. وكان صلي الله عليه وسلم يقول:
من أحدث فى صلاةٍ فلينصرف، فإن كان فى صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف ليوهمهم أنه
رعف، وكان ابن عباس رضى الله عنهما إذا رعف فى الصلاة يخرج فيغسل الدم ثم يرجع
فيبنى على ما قد صلى ولا يتكلم. وكان يقول: إذا أحدث الرجل وقد جلس لآخر صلاته قبل
أن يسلم فقد جازت صلاته، وفى رواية إذا أحدث الإمام فى آخر صلاته حتى يستوى قاعداً
فقد تمت صلاته، وصلاة من وراءه على مثل صلاته، وبذلك أخذ أبو حنيفة رضى الله عنه.
وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا جلس أحدكم فى المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن
رأى خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما، فإن لم يمسحهما فليحذفهما ويتم صلاته. وكان
يقول صلوا فى مرابض الغنم فإنها مباركة ولا تصلوا فى أعطان الإبل. وكان ينهى عن
الصلاة فى المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وفوق ظهر الكعبة. وكان صلي الله عليه وسلم
يحب الصلاة فى البساتين. وكان ينهى عن صلاة الحاقن، وهو المحصور بالبول، والحاقب،
وهو المحصور بالغائط، والحازق بالحقن والحافر بالريح والمسبل إزاره أو ثوبه والواضع
يديه على خاصرته والمتصلب بالثوب كأهل الكتاب، والصافن والصافد، وهو الصاف القدمين
شبه المقيد، والكافت وهو من يلتحف بردائه ويداه من داخله، والعابث بجوارحه، والسادل،
وهو من يرخى طيلسانه من غير إدارته على العنق. وكان صلي الله عليه وسلم ينهى أن
يصلى الرجل والناس يمرون بين يديه من غير سترة. وكان يقول لا تصلوا خلف النيام ولا
المتحلقين ولا المتحدثين، وكان يقول إذا كان بين أحدكم سترة فلا يضره من مر. وكان صلي
الله عليه وسلم كثيراً ما يقول لا يقطع الصلاة شئ وارءوا ما استطعتم، فإنما هو يعنى المار
شيطان، وكان الرجل من الصحابة رضى الله عنهم يأتى من قبل الصف الأول راكباً وهم
يصلون إلى غير جدار فيمر بين يدى الصف ويرسل دابته ترتع ويدخل فى الصف فلا ينكر
عليه أحد. وكان صلي الله عليه وسلم إذا رأى شخصاً يتكلم فى صلاته أو يشمت عاطساً بقوله
يرحمك الله يقول: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هى التسبيح والتكبير
وقراءة القرآن. وكان لا يأمر جاهلاً بإعادة الصلاة فى أغلب الأحوال ولا يضربه ولا يشمته
بل يتلطف به ويعلمه مما علمه الله، وربما يأمره بالإعادة كما فى حديث المسئ نهره صلاته،
وكان إذا استأذن عليه أحد وهو فى الصلاة تنحنح له تارة، وكان صلي الله عليه وسلم ينفخ فى
الصلاة كثيراً من شدة ما يجد من الخشوع، وكان ينهى عن نفخ التراب عن موضع السجود
ونفخ العبس واللعب، وكان كثير البكاء فى الصلاة، وكان يسمع بصدره أزيز كأزيز المرجل
من شدة البكاء، وكذلك كان الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز
وغيرهم رضى الله عنهم أجمعين.
وكان صلي الله عليه وسلم يقول من نابه شئ فى صلاته فليقل سبحان الله، وكان أبو
برزة الأسلمى يصلى ودابته تنازعه وهو يتبعها فأنكر عليه ذلك بعض الناس، فقال ما عنفنى
أحد عن ذلك منذ فارقت رسول الله صلي الله عليه وسلم وإنى عاشرته وشاهدت تيسيره، وإنى
إذا رجعت مع دابتى أحب إلى من أن أدعها تشغل قلبى، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا
تخويف إلا دعا، ولا استبشار إلا طلب ورغب. وكان يقول: إن الله تعالى لا يزال مقبلاً على
العبد فى الصلاة ما لم يلتفت فإذا حرف وجهه انصرف عنه، وقالت أم سلمة رضى الله عنها:
كان الناس فى عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا قام المصلى يصلى لم يعد بصر أحدهم
موضع قدميه، وكان يكره أن يشبك أصابعه أو يفرقها أو يجلس فى الصلاة، وهو يعتمد على
يده ويقول إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكن فإن التشبك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال
فى الصلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج. وكان يقول إذا نعس أحدكم وهو فى الصلاة فليرقد
حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يذهب فيستغفر فيسب
نفسه وهو لا يدرى، وكان يقول لا يحل لرجل يصلى وهو حاقن بالغائط والبول حتى يتخفف
من ذلك ولو وجد الصلاة قد قامت، وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا قام أحدكم إلى الصلاة
فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى عن جبهته ولا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه، ولكن
عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ثم يدلكه بنعله أو خفه أو رجله بالأرض أو يبصق فى طرف
ردائه، وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بقتل الأسودين فى الصلاة الحية والعقرب ولو حصل
بذلك أفعال كثيرة، وكان إذا التبست عليه القراءة أو ترك آية فى قراءته وأخبروه بذلك يقول:
هلا ذكرتمونى إن فيكم من لا يحكم طهارته فليس ذلك عليه والله أعلم.
باب فى صلاة التطوع
كان صلي الله عليه وسلم يواظب على عشر ركعات فى الحضر دائماً ركعتين قبل
الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء فى بيته وركعتين قبل
الصبح وكان يحث كثيراً على هذه السنن ويقضيها إذا فاتته وفى رواية كان يواظب على ثنتى
عشرة ركعة وعد أربع قبل الظهر بزيادة ركعتين، وكان صلي الله عليه وسلم يزيد على ما
ذكر فى بعض الأحيان فيصلى أربعاً قبل الظهر أو ثمانى وأربعاً قبل العصر. وكان يحث
على صلاة الوتر ويقول الوتر حق لا واجب ومن لم يوتر فليس منا. وكان يقول صلاة الليل
مثنى مثنى، فإذا خفت الفجر أوتر بواحدة، وكان يوتر بثلاث وتارة بخمس، وتارة بسبع وتارة
بإحدى عشر، وتارة بثلاث عشر، من هذه الصورة الأخيرة ركعتا الفجر. وكان صلي الله عليه
وسلم إذا أوتر بثلاث يفصل بينهما بالسلام وتارة يصليها كالمغرب ثم نهى بعد ذلك عن
الوصل، وقال أوتروا بخمس ولا تشبهوا بصلاة المغرب، وكان يقرأ فى وتره بالثلاث فى
الركعة الأولى سبح اسم ربك الأعلى، والثانية قل يا أيها الكافرون، والثالثة الإخلاف
واملعوذتين وكان لا يزيد فى صلاة الليل فى رمضان وغيره عن إحدى عشرة ركعة يوتر
بالأخيرة منها وهو قوله تعالى: ﴿ومِن اللَّيلِ فََتهجد بِهِ نافِلةً لَك﴾، وكانت الصحابة رضى الله
عنهم يزيدون على ذلك ما شاءوا وإنما كان صلي الله عليه وسلم يقتصر على ما ذكر شفقة
على الأمة فمن وجد منهم قوة فعل ما شاء، وسئلت عائشة رضى الله عنها متى كان يقوم من
الليل فقالت إذا سمع الصارخ تعنى الديك، وكان يصلى من الليل ما شاء فإذا غلبه النوم نام ثم
يستيقظ فيصلى ثم ينام وهكذا إلى الفجر، فإذا صلى الفجر لم يصل بعده شيئاً إلا الصبح، قالت
عائشة رضى الله عنها: ولا أعلم رسول الله صلي الله عليه وسلم قرأ القرآن كله فى ليلة ولا
قام ليلة حتى أصبح، وكان يقول من خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر، ثم ليرقد،
ومن وثق بقيام الليل فليوتر من آخره، وكان على رضى الله عنه يقول الوتر حق وهو ثلاثة
أنواع، فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر، فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلى ركعتين
ثم يوتر فعل وإن شاء صلى ركعتين حتى يصبح، وإن شاء آخر الليل أوتر، وكان يحث
أصحابه على قيام الليل ويقول عليكم بقيام الليل ولو بركعة فإنه من دأب الصالحين قبلكم
وقربة إلى ربكم ونهاة عن الآثام وتكفير للسيئات ومطردة الداء عن الجسد، وكان يقول: أفضل
الصلاة بعد المكتوبة الصلاة فى جوف الليل الآخر وهو الأقرب ما يكون الرب من العبد، فإن
استطاع أحدكم أن يكون ممن يذكر الله فى تلك الساعة فليكن، وكان يقول من تعار من الليل
فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، ثم قال
اللهم اغفر لى أو دعا استجيب له فإن صلى قبلت صلاته، وكان صلي الله عليه وسلم يقول:
إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم، وكان يقول ما من امرئ تكون له
صلاة الليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة، وكان يقول من
قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية
كتب من المقربين، وكان أكثر صلاته بالليل وهو قائم، حتى تورمت قدماه، فلما بدن فى آخر
عمره كان أكثر صلاته جالساً وربما كان يجمع بين القيام والجلوس فى ركعة فيقرأ وهو
جالس حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع، وكان يقول من
صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف
أجر القاعد، وكان صلي الله عليه وسلم يقول الصلاة مثنى مثنى وتشهد وتسلم فى كل ركعتين
وتباؤس وتمسكن وتضرع بين يديك يعنى ترفعها إلى السماء مستقبلاً ببطونهما وجهك وتقول
اللهم فمن لم يفعل فهو خداج. وكان يقول إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا
عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها. وكان يقول أول ما يرفع من
هذه الأمة الخشوع، وكان صلي الله عليه وسلم يقول من نام إلى الصبح من الليل ولم يقم فذلك
رجل بال الشيطان فى أذنه، وكان يحث على تحية المسجد، ويقول: أعطوا المساجد حقها،
قالوا وما حقها يا رسول الله؟ قال أن تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا، وكان يحث على الصلاة
عقب كل وضوء ولو ركعتين، وكان ينهى عن التطوع بعد الإقامة ويقول: إذا أقيمت الصلاة
فلا صلاة إلا المكتوبة، وكان صلي الله عليه وسلم يقول: من كان له حاجة إلى الله أو إلى أحد
من بنى آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله بما هو أهله وليصل
على النبى صلي الله عليه وسلم، ثم ليقل لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله العلى العظيم
سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك
والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لى ذنباً إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا
حاجة هى لك فيها رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. وكان يقول ما من رجل يذنب ثم يقوم
فيتطهر ثم يصلى ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: ﴿والذِين إ َذا فَعلُوا فَاحِ َ شةً أ  و
ظََلموا أنْفُسه  م ذَ َ كروا الله فَا  سَتغْفَروا لِذُنُوبِه  م وم  ن يغْفِر الذُّنَوب إلا الله وَل  م يصِروا عَلى ما فَعلُوا
وه  م ي  عَلمون﴾، وكان صلي الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة فى الأمور كلها ويقول إذا
هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل اللهم إنى استخيرك بعلمك
واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام
الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى وعاجله
وآجله فاقدره لى ويسره لى وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى فى دينى ومعاشى وعاجله
وآجله فاصرفه عنى واصرفنى عنه، وقدر لى الخير حيث كان ثم رضنى به ويسمى حاجته
من نكاح أو سفر أو غيرهما. وكان يحث أصحابه على صلاة التسابيح ويقول هى أربع
ركعات يقول فى كل ركعة منها بعد القراءة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
خمس عشرة مرة، ويقول فى الركوع عشراً وفى الاعتدال عشراً وفى السجود عشراً وفى
التشهد عشراً، وفى الجلوس بين السجدتين عشراً وفى السجدة الثانية عشراً، وفى جلسة
الاستراحة عشراً، وقبل التشهد عشرا فذلك خمس وسبعون فى كل ركعة. وكان صلي الله عليه
وسلم يقول إن استطاع أحدكم أن يفعلها فى كل يوم مرة فليفعل، فإن لم يستطع ففى كل جمعة،
فإن لم يستطع ففى كل شهر، فإن لم يستطع ففى كل سنة، فإن لم يستطع ففى العمر مرة ووقت
لها رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تفعل بعد الزوال، فإن لم يستطع فمن الليل مرة ومن
النهار مرة، وكان يحث أصحابه على فعل هذه الصلاة حتى قال للعباس يا عم إذا عملت ذلك
غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحادثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته، ولو
كنت أعظم أهل الأرض ذنباً غفر لك بذلك.
باب فى صلاة الجماعة
قال أنس رضى الله عنه وكان يحث على صلاة الجماعة ويقول إن من سنن الهادى
الصلاة فى المسجد الذى يؤذن فيه ولو صليتم فى بيوتكم وتركتم مساجدكم ولو تركتم سنة
نبيكم لكفرتم، وكان يقول صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ فى بيته أو سوقه بخمس
وعشرين فإذا صلاها فى فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة، وكان صلي الله
عليه وسلم يقول من صلى العشاء فى جماعة فكأنما أقام نصف الليل، ومن صلى الصبح فى
جماعة فكأنما أقام الليل، وكان ينهى الأئمة عن التطويل بالناس ويقول إذا صلى أحدكم بالناس
فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء،
وكان يقول إنى لأدخل فى الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبى فاتجوز فى صلاتى
مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه، وصلى عمار بن ياسر رضى الله عنه بالناس فخفف من
قراءته فى صلاته ومن الطمأنينة فيها فقيل له تنفست، فقال إنما بادرت به الوسواس وكان
ينهى عن مسابقة الإمام، ويحث على متابعته ويقول إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه
فإذا كبر فكبروا. وإذا قرأ فأنصتوا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن
حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين،
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول رأسه
إلى رأس حمار، وفى رواية صورة كلب وكان يقول خير مساجد النساء قعور بيوتهن وكان
يقول أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا الصلاة، وكان يقول صلاتهن فى بيوتهن خير
لهن، وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا رأى أحداً دخل المسجد بعد ما صلى الناس من
يتصدق على هذا فيصلى معه فيقوم الناس فيصلون معه جماعة ثانية، وكان يقول يؤمر
المسبوق أن يدخل مع الإمام على أى حال، وكان يقول إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود
فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً وفى رواية إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حالٍ فليصنع كما
يصنع الإمام. وكان صلي الله عليه وسلم يرخص لأصحاب الأعذار فى عدم حضور الجماعة
كالليلة الباردة والمطر وبعد المسجد فى شدة الحر ونحو ذلك، ويقول للمنادى للصلاة إذا
تشهدت فلا تقل حى على الفلاح وقل صلوا فى رحالكم وكذا فعل ابن عباس رضى الله عنهما
فى يوم مطر، وقال إنى كرهت أن أخرجكم فتمشوا فى الطين والدحض وكان أبو الدرداء
رضى الله عنه يقول من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ،
وكان يقول يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة،
فإن كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سناً ولا يؤمن
الرجل الرجل فى سلطانه، ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه ولا يحل لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم لا يخص نفسه بدعوات دونهم، فإن فعل فقد خانهم. وكان
صلي الله عليه وسلم يجيز إمامة الأعمى واستخلف ابن أم مكتوم المؤذن على المدينة مرتين
يصلى بهم، وكذلك كان يجيز إمامة الأرقاء، وكان سالم مولى أبى حذيفة يصلى بالمهاجرين
الأولين لما نزلوا بقباء لكونه كان أكثرهم قرآنا، وكان يقول صلوا خلف كل بر وفاجر، وكانت
الصحابة رضى الله عنهم يصلون خلف الحجاج وقد أحصى الذين قتلهم من الصحابة والتابعين
فبلغوا مائة ألف وعشرين ألف، وكان يحث على مساواة الصفوف ويقول: لا تختلفوا فتختلف
قلوبكم، وكان صلي الله عليه وسلم يقول وسطوا الإمام وسدوا الخلل ولينوا فى يد إخوانكم،
وكان صلي الله عليه وسلم إذا رأى رجلاً يصلى خلف الصف يقول له إذا سلم: استقبل صلاتك
فأعدها فإنه لا صلاة لمفرد خلف الصف، وتارة يرخص فى ذلك.
باب فى صلاة المسافر
كان صلي الله عليه وسلم يقصر فى السفر تارة، ويتم أخرى، ويصوم تارة ويفطر
أخرى، وكان أكثر أحواله صلي الله عليه وسلم القصر والفطر، وكان يقول هذه صدقة تصدق
الله بها عليكم فاقبلوا صدقته فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه،
وسئل ابن عمر رضى الله عنهما فقيل له إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر فى القرآن ولا
نجد صلاة السفر، فقال ابن عمر يا ابن أخى إن الله بعث إلينا محمداً صلي الله عليه وسلم ولا
نعلم شيئاً فإنما نفعل كما رأيناه يفعل. وسئل أنس عن مسافة القصر فقال: كان صلي الله عليه
وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أيام أو ثلاثة فراسخ –شك الراوى عن أنس- ركعتين ركعتين
وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقصر فى مسيرة اليوم التام يعنى الطويل. وسئل ابن عباس
رضى الله عنهما عن مسافة القصر فقال مثل ما بين مكة والطائف ومثل ما بين مكة وعسفان،
والأمر فى ذلك على التقريب، وكان صلي الله عليه وسلم يجمع الصلاة تارة تقديماً وتارة
تأخيراً وكان صلي الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزول الشمس أخر الظهر إلى وقت
العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زالت قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ركعتين بإقامتين
وكذلك كان يفعل بالمغرب والعشاء، وكان صلي الله عليه وسلم لا يجمع بين صلاتين فى
الحضر إلا لعذر من مرض أو مطر أو خوف أو ما أشبه ذلك. وكان صلي الله عليه وسلم
يتنقل فى السفر تارة ويترك أخرى وهو الأكثر من فعله صلي الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق