باب صفة الوضوء
قال الله تعالى: {يا أيها الَّذيِن آمنُوا إ َذا قُ متُ م إلى الصلاَةِ فَاغْسِلُوا وجوهكُ م وأيدِيكُم إَلى
المرافِقِ وا مسحوا بِرءوسِكُم وأ رجَلكُم إَلى ال َ ك عبينِ} وقال صلي الله عليه وسلم "إنما الأعمال
بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وكان يتوضأ بالمد تارة وبثلثية تارة، وبأزيد منه تارة وكان
من أيسر الناس صباً للماء فى الوضوء وكان يحذر أمته من الإسراف فيه ويقول إنه سيكون
فى أمتى من يعتدى فى الدعاء والطهور، واتقوا وسواس الماء، وكان صلي الله عليه وسلم
تارة يتوضأ مرة مرة، وتارة مرتين مرتين، وتارة ثلاثاً، وكان يقول من زاد على ثلاث فقد
أساء وظلم، وغسل صلي الله عليه وسلم بعض أعضائه مرتين وبعضها ثلاثاً فى وضوء
واحد، وكان غالب أحيانه لا ينقص عن الثلاث، وكان يتمضمض ويستنشق بيده اليمنى وكان
تارة يفعلها بغرفة وتارة بغرفتين، وتارة بثلاث. وكان يمسح رأسه كله وتارة بعضه وتارة
يقتصر على مسح العمامة، ومرة يمسح البعض ويكمل المسح على العمامة، وكان أكثر فعله
أن يمسح رأسه كله أو بعضه. ويكمل على العمامة وكان صلي الله عليه وسلم مواظباً على
المضمضة والاستنشاق فى كل وضوء وربما تركها فى بعض الأحيان، وكان وضوءه مترتباً
متوالياً وكان يمسح أذنيه بفضل ماء الرأس وتارة يأخذ لها ماء جديداً وكان يمسح ظاهرهما
وباطنهما. وكان يجاوز المرفقين فى الغسل، وتارة لا يجاوزهما، وكان يقول: أنتم الغر
المحجلون يوم القيامة من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل، ومعنى
التحجيل أن يجاوز فى الرجلين الكعبين وفى اليدين المرفقين، وكان صلي الله عليه وسلم تارة
يصب ماء الوضوء على أعضائه بنفسه، وتارة يستعين بغيره، وكان كثيراً ما يترك تخليل
اللحية والأصابع إذا كان قريب العهد بالتخليل والترجيل، وكان كثيراً ما يتسوك بأصبعه فى
المضمضة ويكتفى به.
باب سنن الفطرة
وكان صلي الله عليه وسلم يقول: من خصال الفطرة قص وإعفاء اللحية والسواك وقص
الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والاستنجاء والختان، ووقت صلي الله عليه وسلم لقص
الأظافر وقص ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة. وكان ينهى عن نتف
المشيب ويأمر بتغييره، وينهى عن خضبه بالسواد، وكان ينهى عن حلق بعض الرأس وترك
بعضه ويقول: احلقوا الرأس كله، وكان صلي الله عليه وسلم يكتحل بالأثمد كل ليلة عند النوم
ثلاثاً فى هذه، وثلاثاً فى هذه ويقول: إن الكحل بالأثمد ينبت الشعر ويجلو البصر. وكان يتبخر
تارة بالعود وتارة بالمسك والعنبر. وكان يقول: المسك أطيب طيبكم. وكان يقول: من عرض
عليه طيب أو ريحان فلا يرده. وكان يكثر من السواك عند ذكر الله تعالى وعند كل عبادة،
والله تعالى أعلم.
باب ما ينقض الوضوء
كان صلي الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما خرج من السبيلين وكان يقول: لا وضوء إلا
من صوت أو ريح. وكان يقول إذا وجد أحدكم ريحاً بين أليتيه فلا يخرج من المسجد حتى
يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وفى رواية فلا ينصرف حتى يسمع فشيشها أو طنينها، وقال الإمام
على بن أبى طالب كنت رجلاً مذاء فجعلت اغتسل حتى تشقق ظهرى فاستحييت أن أسأل
رسول الله صلي الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقدادين الأسود فسأل رسول الله صلي الله
عليه وسلم فقال: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه وأنثييه وما أصاب من ثوبه بالماء، وسئل
صلي الله عليه وسلم عما يخرج بعد الغسل من الماء فقال: ذلك المذى وكل فحل يمذى، فإذا
وجد أحدكم ذلك فليغسل فرجه وأنثييه ويتوضأ، وكان صلي الله عليه وسلم إذا كان صائماً فقاء
يتوضأ، وكانت الصحابة رضى الله عنهم يصلون وجروحهم تقطر دماً، وكان تارة يأمر
بالوضوء من الجماع بغير إنزال، وتارة يأمر فيه بالغسل، والغسل أحوط، وكان تارة يأمر
بالوضوء من لمس المرأة ومن مس الذكر، وتارة لا يأمر به، وكان يقول: العينان وكاء السنة،
فمن نام فليتوضأ ونام صلي الله عليه وسلم وهو ساجد فسئل عن ذلك فقال: إن الوضوء لا
يجب إلا على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله، وكانت أكابر الصحابة
رضى الله عنهم لا يأخذون إلا بالأحوط فى أمر دينهم ولو كان شاقاً وما كان التوسع من
رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا تألفاً لقلب من أسلم، كما بايع أقواماً على الدخول فى دين
الإسلام بالشهادتين فقط من غير صلاة. وكان يقول توضئوا مما مسته النار ولو من أكل
السويق، وكان صلي الله عليه وسلم أكل مرة كتف شاةٍ ولم يتوضأ ولم يمس ماء، قال ابن
عباس رضى الله عنهما وكان أخذ الأمرين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ترك الوضوء
مما مسته النار، وقال ابن عمر رضى الله عنه: إذا سمعتم شيئاً من رسول الله صلي الله عليه
وسلم أنه أمر به أحياناً ورخص فى تركه أحياناً فقد بين لكم جواز الحالين، والسنة فعل
الأمرين جميعاً، وسئل على رضى الله عنه بمجمع من أكابر الصحابة رضى الله عنهم أجمعين
عن قول عمر رضى الله عنه: هلا كان آخر الحالين هو المعمول به؟ فقال يا ابن أخى إذا
سمعت حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلاً ولا تخرج له ضرباً من
التأويل فإنه لا ناسخ لسننه إلا ما بين هو نسخه وأمر بتركه، ونعتقد فى أمين الله تعالى على
وحيه صلي الله عليه وسلم أن يترك البيان لشئ أمر بتبليغه على حد ما أنزل إليه، وكان صلي
الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من أفاق من نوم أو إغماء أو غشى أو جنون، وكان صلي الله
عليه وسلم يرخص لذوى العاهات والأعذار وقريبى العهد بالإسلام والأمة والخدم فيما لا
يرخص فيه لغيرهم كسلس البول، والمستحاضة ومن تخرج مقعدته وأصحاب الباسور
والقصابين ومن لا يمكنه التحرز من إصابة النجاسة وغيرها. وكان صلي الله عليه وسلم ربما
يأمر بالوضوء والغسل من أخلاق سيئة كأمره بالوضوء من كان مسبلاً إزاره ويقول: إن الله
تعالى لا يقبل صلاة مسبل إزاره، وكالغيبة والنميمة والرفث والفسوق فى الحج، والمشاتمة
والمساببة للصائم والحيل والتضليلات فى أقساط الحقوق. وكانت مراعاة الصحابة لهذه
الحقوق الباطنة أكثر من مراعاتهم لغيرها وعلى ذلك درج السلف الصالح من الصحابة
والتابعين.
باب الغسل
قالت عائشة رضى الله عنها: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال إذا جلس الرجل بين
شعبها الأربع وجهدها وجب الغسل، وفى رواية وجاوز الختان وجب الغسل، وكان صلي الله
عليه وسلم يرخص فى ترك الغسل من الجماع لغير إنزال أول الإسلام، ثم أمر بعد ذلك
بالاغتسال وإن لم ينزل، وسئل صلي الله عليه وسلم عن المرأة إذا احتلمت فقال: عليها الغسل
إذا رأت الماء، وكان يقول تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة. وفى رواية أما
الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن تنقض لتغرف
على رأسها ثلاث غرفات يكفيها، وكان صلي الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل
يديه قبل إدخالهما الإناء ثم غسل فرجه ومسح بيده على الحائط والأرض، ثم توضأ كما
يتوضأ للصلاة ثم أدخل أصابعه فى الماء فخلل بها أصول شعره، ثم صب على رأسه ثلاث
غرف بيده ثم أفاض الماء على جلده، ثم غسل رجليه. وفى رواية كان يغسل الأذى الذى به
قبل الوضوء يصب الماء على الأذى بيمينه ويغسل عنه بشماله. وكان صلي الله عليه وسلم
وأصحابه يستترون حالة الاغتسال، وكان يقول: إن الله تعالى حيى ستير يحب الحياء والستر،
فإذا اغتسل أحدكم فليتوارى بشئ. وكان يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً. وكان إذا
أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يقول ثلاثة لا تقربهم
الملائكة جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوف، والجنب إلا أن يتوضأ. وكان تارة يغسل يده فقط
ثم ينام وتارة ينام وهو جنب ولا يمس ماء وكان صلي الله عليه وسلم يجالس الجنب ويحادثه
فقيل له فى ذلك فقال: إن المسلم لا ينجس. وكان يقول: لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا
كلب ولا جنب، وكان يأمر الحائض والنفساء بالغسل عند النقاء كما يغتسل للجنابة. وكان
يأمرها بكثرة الدلك وأن تجعل فى الماء شيئاً من سدر أو ملح. وأن تتبع محل الدم بشئ من
الطيب. وكان يأمر المستحاضة تارة بالوضوء لكل صلاة، وإذا رأت الدم كثيراً أو تارة
بالغسل إذا رأت الدم قليلاً. وكان يقول لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن، وكان
صلي الله عليه وسلم يأمر بالغسل يوم الجمعة والعيدين، ويقول: غسل الجمعة واجب على كل
محتلم كغسل الجنابة، قال ابن عباس رضى الله عنهما وكان بدء الغسل أول الإسلام أن الناس
كانوا يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً، فكانت تثور منهم روائح
مختلفة يؤذى بعضهم بعضاً فلما وجد صلي الله عليه وسلم تلك الروائح قال: أيها الناس إذا
كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه، قال ابن عباش رضى
الله عنهما ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم قال صلي الله
عليه وسلم من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل. وكان يقول من
غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ومن أراد الإسلام فليغتسل بماءٍ وسدر وليختتن،
ويحلق شعره، وكان صلي الله عليه وسلم يكره للنساء دخول الحمام إلا أن تكون مريضة أو
نفساء.
باب التيمم
قال الله تعالى: {وإِ ن كُنْتُم م رضى أ و عَلى سَفرٍ أَو جاء أَحد مِنْكَ م مِن ال َ غائِطِ أَو لاَم ستُم
النِّساء فََل م تَجِدوا ماء فََتيمموا صعِيداً طَيباً فَا مسحوا بِوجوهِكُم وأيدِيكُ م مِنه} وكان يتيمم تارة
بضربة واحدةٍ وتارة بضربتين. وكان يتيمم من الأرض التى يصلى عليها تراباً كانت أو سبخة
أو رملاً. وكان يقول: حيثما أدركت رجلاً من أمتى الصلاة فعنده مسجده وطهوره، وكان
صلي الله عليه وسلم يسافر هو وأصحابه السفر الطويل وطريقه رمل وحجارة ولم يجعلوا
معهم تراباً للتيمم، وكانوا رضى الله عنهم يرون أن التيمم قائم مقام الوضوء أو الغسل، ولما
بلغه صلي الله عليه وسلم عن عمار أنه جنب فلم يجد الماء فتمعك فى التراب وصلى فقال له
صلي الله عليه وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك فى التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما
وجهك وكفيك إلى الرسغين. وكانت الصحابة رضى الله عنهم من يمسح إلى المرفقين، ومنهم
من يمسح إلى المفصل بين الكف والذراع ويقرهم النبى صلي الله عليه وسلم على ذلك، وكان
لا يأمر أحداً صلى بالتيمم أول الوقت بإعادة الصلاة إذا وجد الماء فى الوقت وجاءه رجلان
صليا بالتيمم أول الوقت ثم وجد الماء فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر فقال
للذى لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ما كان الله لينهاكم عن الربا ثم يأخذه منكم، وقال
للذى توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين. وكان يقول لمن وجد الماء فى صلاته بالتيمم توضأ فإنه
خير وتارة يسكت ولم يأمره بشئ، وكان صلي الله عليه وسلم يقول إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم، وصلى رجل بلا وضوء ولا تيمم جاهلاً بجواز التيمم فلم يأمره بالإعادة والله
أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق