نبذة: فى جملة من أخلاقه صلي الله عليه وسلم مع أصحابه وأزواجه وغيرهم كان صلي
الله عليه وسلم أرأف وأعدل الناس، وأحلم الناس، وأعطف الناس، لم تمس يده يد امرأة لا
يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذا محرم منه صلي الله عليه وسلم وكان صلي الله عليه
وسلم أسخى الناس، وأكرم الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شئ ولم يجد من
يعطيه له وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، وكان صلي الله عليه
وسلم لا يأخذ مما أتاه الله عز وجل إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير،
ويضع ما فضل من سائر ذلك فى سبيل الله عز وجل، وكان صلي الله عليه وسلم لا يسأل
شيئاً إلا أعطاه، وكان صلي الله عليه وسلم لا يواجه أحداً بمكروه ولا يتعرض فى وعظه لأحد
معين بحيث يعلم بالقرينة أنه يعنى ذلك الرجل، وكان صلي الله عليه وسلم يقبل على أصحابه
بالمباسطة حتى يظن كل واحد منهم أنه أعز عليه من جميع أصحابه. وكان صلي الله عليه
وسلم يخصف النعل ويرقع الثوب، ويخدم مهنة أهله، ويقطع معهن اللحم كأنه واحد منهم،
وكان صلي الله عليه وسلم أشد الناس حياء لا يثبت بصره فى وجه أحد وكان صلي الله عليه
وسلم يجيب دعوة الحر والعبد، ويقبل الهدية، ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب ويكافئ عليها
ويأكلها، ولا يأكل الصدقة. وكان صلي الله عليه وسلم يعود مرضى المساكين الذين لا يؤبه
لهم ويخدمهم بنفسه صلي الله عليه وسلم، وكان يتلطف بخواطر أصحابه، ويقول لأحدهم إذا
انقطع عن مجلسه لعلك وجدت يا أخى منا أو من إخوانا شيئاً، وكان صلي الله عليه وسلم أشد
الناس تواضعاً وأسكتهم من غير كبر وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بشراً لا يهوله شئ
من أمر الدنيا، وكان صلي الله عليه وسلم يلبس، ما وجد فمرة شملة ومرة برد حبرة ومرة
جبة صوف ما وجد من المباح لبس وكان صلي الله عليه وسلم يردف خلفه عبده أو غيره،
وتارة يردف خلفه وقدامه وهو فى الوسط، وكان صلي الله عليه وسلم، يركب ما يمكنه فمرة
فرساً ومرة بعيراً، ومرة بغلةً ومرة حماراً ومرة يمشى راجلاً حافياً بلا رداءٍ ولا قلنسوة،
يعود المرضى فى أقصى المدينة، وكان صلي الله عليه وسلم يحب الطيب ويكره الرائحة
الرديئة، وكان صلي الله عليه وسلم يواكل الفقراء والمساكين ويجالسهم، ويفلى ثيابهم، وكان
يكرم أهل الفضل فى أخلاقهم، ويتآلف أهل الشرف بالإحسان إليهم، وكان صلي الله عليه وسلم
يكرم ذوى رحمه ويصلهم من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، وكان صلي الله عليه
وسلم لا يجفو أحداً ولو فعل معه ما يوجب الجفا، وكان صلي الله عليه وسلم يقبل معذرة
المعتذر إليه ولو فعل ما فعل، وكان صلي الله عليه وسلم يمزح مع النساء والصبيان وغيرهم
ولا يقول إلا حقاً، وكان ضحكه صلي الله عليه وسلم التبسم من غير قهقهة وكان صلي الله
عليه وسلم يرى اللعب المباح فلا ينكره وكانت الأصوات ترفع عليه بالكلام الجاف، فيصبر
ولا يؤاخذ، وكان له صلي الله عليه وسلم لقاح وغنم يتقوت من ألبانها هو وأهله، وكان له
جيران لهم منائح يرسلون له من ألبانها، فيأكل منها ويشرب وكان صلي الله عليه وسلم لا
يأكل متكئاً ولا على خوان، وكان صلي الله عليه وسلم يجيب إلى الوليمة من دعاه، ويعود
المرضى ويشهد الجنائز، ويتفقد أصحابه إذا انقطعوا عن مجلسه ويقول ما حال فلان، وكان
منديله صلي الله عليه وسلم بطن قدميه ولم يشبع صلي الله عليه وسلم، من خبز وشعير ثلاثة
أيام متوالية حتى لحق بالله عز وجل إيثاراً على نفسه لا عجزاً وبخلاً. وكان له صلي الله عليه
وسلم عبيد وإماء لا يرتفع عليهم فى مأكل ولا ملبس. وكان صلي الله عليه وسلم لا يمضى له
وقت فى غير عمل الله عز وجل أو فيما لابد منه من صلاح نفسه، وكان صلي الله عليه وسلم
يخرج إلى بساتين أصحابه فيأكل منها ويحتطب، وكان صلي الله عليه وسلم لا يحتقر مسكيناً
لفقره وزمانته، لا يهاب ملكاً لملكه يدعو هذا وهذا إلى الله عز وجل دعاء واحداً وكان لا يشتم
أحداً من المؤمنين إلا جعل الله عز وجل تلك الشتمة لذلك المؤمن كفارة ورحمة ولا لعن امرأة
ولا خادماً قط، وكان صلي الله عليه وسلم إذا سئل أن يدعو على أحد عدل عن الدعاء عليه
ودعا له وما ضرب بيده امرأة ولا خادماً قط. كان لا يأتيه أحد من حر أو عبد أو أمة إلا قام
معه فى حاجته وما عاب مضجعاً قط إن فرشوا له اضطجع وإن لم يفرشوا له جلس على
الأرض واضطجع وقد وصفه الله تعالى فى التوراة قبل أن يبعثه فقال: محمد رسول الله عبدى
المختار لا فظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو أو
يصفح، مولده بمكة وهجرته بطيبة، وملكه بالشام يأتزر على وسطه هو ومن معه، دعاة
للقرآن والعلم يتوضأ على أطرافه، وكذلك نعته فى الإنجيل، وكان صلي الله عليه وسلم يبدأ
من لقيه بالسلام ومن قام معه لحاجة سايره حتى يكون هو المنصرف. وكان صلي الله عليه
وسلم إذا لقى أحداً من أصحابه صافحه ثم أخذ بيده فشابكه ثم شد قبضته عليها، وكان صلي
الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا ذاكراً لله عز وجل. وكان صلي الله عليه وسلم لا يجلس
إليه أحد وهو يصلى إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال ألك حاجة فإذا فرغ من حاجته عاد إلى
صلاته. وكان صلي الله عليه وسلم أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعاً ويمسك بيديه عليهما
شبه الحبوة وكان صلي الله عليه وسلم لا يعرف مجلسه من مجلس أصحابه، لأنه كان حيث
انتهى به المجلس جلس. وما رؤى صلي الله عليه وسلم ماداً رجليه يضيق بهما على أصحابه
إلا أن يكون المكان واسعاً. وكان صلي الله عليه وسلم أكثر جلوسه إلى القبلة. وكان صلي الله
عليه وسلم يكرم كل داخل عليه حتى ربما بسط ثوبيه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع
يجلسه عليه، وكان صلي الله عليه وسلم يؤثر الداخل عليه بالوسادة التى تكون تحته فإن أبى
أن يقبلها عزم عليه حتى يقبل. وكان عليه الصلاة والسلام يعطى كل من جلس إليه نصيبه من
البشاشة حتى يظن أنه أكرم الناس عليه. وكان صلي الله عليه وسلم يكنى من أصحابه
ويدعوهم بالكنى إكراماً واستمالة لقلوبهم، ويكنى من لم يكن لهم كنية. وكان صلي الله عليه
وسلم يكنى النساء اللاتى لهن الأولاد واللاتى لم يلدن يبتدئ لهن الكنى ويكنى الصبيان فيستلين
به قلوبهم. وكان صلي الله عليه وسلم أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاء. وكان أرأف الناس
بالناس. وأنفع الناس للناس. وخير الناس للناس. وكان صلي الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه
قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. ثم يقول علمنيهن
جبريل عليه السلام. وكان صلي الله عليه وسلم نزر الكلام سمح المقالة، يعيد الكلام مرتين،
وأكثر ليفهم. وكان صلي الله عليه وسلم كلامه كخرزات النظم. وكان صلي الله عليه وسلم.
يعرض عن كلام قبيح ويكنى عن الأمور المستقبحة فى العرف إذا اضطره الكلام إلى ذكرها.
وكان صلي الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثاً وكانت عيناه صلي الله عليه وسلم كثيرة الدموع
والهملان. وكسفت الشمس مرة فجعل يبكى فى الصلاة وينفخ ويقول. يارب ألم تعدنى ألا
تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك يارب. وكان ضحك أصحابه عنده صلي الله
عليه وسلم التبسم من غير صوت اقتداء به وتوقيراً له صلي الله عليه وسلم. وكانوا إذا جلسوا
كأنما على رءوسهم الطير. وكان صلي الله عليه وسلم أكثر الناس تبسماً ما لم ينزل عليه قرآن
أو يذكر الساعة أو يخطب خطبة موعظة. وكان صلي الله عليه وسلم إذا نزل به شئ فوض
الأمر فيه إلى الله عز وجل وتبدأ من الحول والقوة، وسأله الهدى وأتباعه وسأله البعد عن
الضلال، وكان أحب الطعام إليه صلي الله عليه وسلم ما كثرت عليه الأيدى. وكان صلي الله
عليه وسلم أكثر جلوسه للأكل أن يجمع ركبتيه بين قدميه كما يجلس المصلى إلا أن الركبة
تكون فوق الركبة والقدم فوق القدم، ويقول صلي الله عليه وسلم: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل
العبد " وكان صلي الله عليه وسلم لا يأكل الطعام الحار ويقول إنه غير ذى بركة فأبردوه فإن
الله لم يطعمنا ناراً، وكان صلي الله عليه وسلم يأكل مما يليه ويأكل باصابعه الثلاث وربما
صلي الله عليه وسلم استعان بالرابعة. ولم يأكل قط بأصبعين ويخبر أن ذلك من فعل الشيطان،
وكان صلي الله عليه وسلم يأكل خبز الشعير غير متخول وربما وقف فى حلقه فلا يسيغه إلا
بجرعة من ماء. وكان صلي الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب وبالملح، وكان أحب الفواكه
إليه الرطب والعنب. وكان صلي الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالخبز وبالسكر وربما أكله
بالرطب ويستعين باليدين جميعاً، وكان صلي الله عليه وسلم يأكل العنب خزفاً يرى رؤاله على
لحيته كخرز اللؤلؤ وهو الماء الذى يتقطر منه وكان أكثر طعامه التمر والماء، وكان يجمع
التمر باللبن ويسميهما الأطيبين، وكان أحب الطعام إلى النبى صلي الله عليه وسلم اللحم ويقول
إنه يزيد فى السمع وهو سيد الطعام فى الدنيا والآخرة، وكان صلي الله عليه وسلم لا يستكبر
عن إجابة الأمة والمسكين، وكان يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وكان ينفذ الحق وإن عاد
ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه، وكان صلي الله عليه وسلم يأكل الثريد باللحم والقرع،
وكان يحب القرع ويقول إنها شجرة يونس عليه السلام. وكان صلي الله عليه وسلم يقول يا
عائشة إذا طبختم قدراً فأكثروا فيها من الدباء فإنه يشد قلب الحزين، وكان صلي الله عليه
وسلم يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويكتم ذلك عن أصحابه حملا للمشقة عليهم، وكان
صلي الله عليه وسلم يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد، وكان صلي الله عليه وسلم لا يتورع عن
مطعم حلال إن وجد تمراً دون خبز أكل، وإن وجد لحماً مشوياً أكل وإن وجد خبز بر أكل أو
شعير أكل وإن وجد حلوى أو عسلاً أكل، وإن وجد لبنا دون خبز أكل واكتفى به، وإن وجد
بطيخاً أو رطباً أكله. وكان صلي الله عليه وسلم يأكل لحم الدجاج والطير الذى يصاد ولا
يشتريه ولا يصيده ويحب أن يصاد فيؤتى به فيأكله. وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه
بل يرفعه إلى فيه، ثم ينتهشه انتهاشاً، وكان صلي الله عليه وسلم يأكل الجبن والسمن. وكان
صلي الله عليه وسلم يحب من الشاة الذراع والكتف. وقالت عائشة ما كان الذراع أحب اللحم
إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولكن لا يأكل اللحم إلا غباً، وكان يعجل إليه لأنه أعجلها
نضجاً وكان يحب من القدر الدبا، ومن التمر العجوة، ودعا فى العجوة بالبركة، وكان صلي
الله عليه وسلم يقول:" إنها من الجنة، وهى شفاء من السم والسحر " ، وكان صلي الله عليه
وسلم، يحب من البقول الهندباء والشمر والرجلة. ويكره الكليتين لمكانهما من البول، وكان
صلي الله عليه وسلم لا يأكل من الشاة سبعاً الذكر والأنثيين والجباء وهو الفرج والدم والمثانة
والمرارة والغدد، ويكره لغيره أكلها. وكان صلي الله عليه وسلم لا يأكل الثوم ولا البصل، ولا
الكرام وما ذم طعاماً قط، وكان له قصعة تسمى الغراء لها أربع حلق يحملها أربعة رجال
بينهم وصاع ومد وسرير قوائمه من ساج. فكان له صلي الله عليه وسلم ربعة يجعل فيها
المرآة والمشط والمقراضين والسواك، وكان له صلي الله عليه وسلم سبعة أعنز منائح ترعاهن
أم أيمن حاضنته، وكان صلي الله عليه وسلم يعاف الضب والطحال ولا يحرمهما، وكان صلي
الله عليه وسلم يلعق الصفحة بأصبعه ويقول آخر الطعام أكثر بركة، وكان يلعق أصابعه حتى
تحمر، وكان صلي الله عليه وسلم لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدةً واحدةً
ويقول: إنه لا يدرى فى أى الأصابع البركة، وكان صلي الله عليه وسلم إذا أكل اللحم والخبز
خاصة غسل يده غسلاً جيداً ثم يمسح بفضل الماء على وجهه، وكان صلي الله عليه وسلم لا
يتنفس فى الإناء، بل ينحرف عنه، وأتوه مرة بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه، وقال
شربتان فى شربة وإدامان فى إناءٍ واحد، ثم قال إنى لا أحرمه ولكنى أكره الفخر والحساب
بفضول الدنيا، وأحب التواضع لربى عز وجل، فإن من تواضع لله رفعه، وكان صلي الله عليه
وسلم فى بيته أشد حياء من العاتق لا يسألهم طعاماً ولا يتشهاه عليهم. فإن أطعموه أكل وما
أعطوه قبل ولو كان شيئاً يسيراً، وكان صلي الله عليه وسلم كثيراً ما يقوم فيأخذ ما يأكل وما
يشرب بنفسه، وكان صلي الله عليه وسلم إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه، وفى أوقات كان
يضمها ويرشقها وأوقات لا يرخيها جملة واحدة، وكان كمه صلي الله عليه وسلم إلى الرسغ
ولبس القباء والفرجية ولبس جبة ضيقة الكمين فى سفره، وكان رداؤه صلي الله عليه وسلم
طوله ستة أذرع فى ثلاث وشبر، وكان إزاره أربعة أذرع وشبر فى عرض ذراعين وشبر،
ولبس صلي الله عليه وسلم البرد الذى فيه خطوط حمر، وكان صلي الله عليه وسلم ينهى
أصحابه عن لبس الأحمر الخالص، وكان له صلي الله عليه وسلم سراويل ولبس النعل التى
تسمى الناسومة، وكان له صلي الله عليه وسلم بردان أخضران فيهما خطوط حمر، وكان
صلي الله عليه وسلم يلبس الخاتم ويجعل فصه مما يلى كفه، وكان صلي الله عليه وسلم يتقنع
بردائه تارة ويتركه تارة أخرى، وهو الذى يسمى فى العرف الطيلسان، وكان أغلب لباسه
ولباس أصحابه القطن، وكان صلي الله عليه وسلم كثيراً ما يلتحى بالعمامة من تحت الحنك
كطريق المغاربة ولبس الأشعر الأسود، ولبس مرة بردة من الصوف فوجد ريح الضأن
فطرحها، وكان يحب الريح الطيبة، وكان يأكل من الكبد إذا شويت وكان له غنم يتقوت من
ألبانها، وكان لا يحب أن تزيد على مائة وإن زادت ذبح الزائد، وكان صلي الله عليه وسلم
يبيع ويشترى، ولكن كان شراؤه أكثر وأجر نفسه قبل النبوة فى رعاية الغنم، وأجر نفسه
لخديجة فى سفره للتجارة، واستدان برهن وبغير رهن، واستعار وضمن، ووقف أرضاً كانت
له وشفع فى مغيث زوج بربرة عندها لتراجعه فردت شفاعته صلي الله عليه وسلم، فلم
يغضب عليها ولم يعتب وحلف فى أكثر من ثمانين موضعاً، وأمره الله تعالى بالحلف فى ثلاث
مواضع فى قوله: {قُلْ إى وربى} وفى قوله: {فُل بَلى وربى لَتأْتِينَّكُم} وفى قوله تعالى: {بَلى
وربى لَتُبعثُن}، وكان صلي الله عليه وسلم يستثنى فى يمينه تارة ويكفرها تارة ويمضى فيها
تارة ومدحه بعض الشعراء فأثاب عليه ومنع الثواب فى حق غيره، بل أمر أن يحثى التراب
فى وجوه المداحين وصارع صلي الله عليه وسلم ركانة، وكان يفلى ثيابه بنفسه، وكان صلي
الله عليه وسلم أحسن الناس مشياً وأسرعهم فيه كأنه ينحط فى صبب من غير اكتراث منه،
وكان أصحابه يمشون بين يديه وهو خلفهم ويقول دعوا ظهرى للملائكة، وكان إذا سافر يكون
ساقة أصحابه لأجل المنقطعين يردفهم ويدعو لهم، وكان له صلي الله عليه وسلم قباء من
السندس الأخضر يلبسه فتحسن خضرته على بياض لونه، وكان ثيابه صلي الله عليه وسلم
كلها مشمرة فوق الكعبين، وكان إزاره صلي الله عليه وسلم فوق ذلك إلى نصف الساق، وكان
قميصه صلي الله عليه وسلم مشدود الأزرار وربما حل الأزرار فى الصلاة وغيرها، وكان له
صلي الله عليه وسلم ملحفة مصبوغة بالزعفران وربما صلى بالناس فيها وحدها، وربما لبس
الكساء وحده وما عليه غيره، وكان له صلي الله عليه وسلم كساء ملبد يلبسه ويقول إنما أنا
عبد. وكان له صلي الله عليه وسلم ثوبان لجمعته خاصة سوى ثيابه فى غير الجمعة وربما
لبس الإزار الواحد ليس عليه غيره يعقد طرفيه بين كتفيه، وربما أم به الناس على الجنائز،
وربما صلى فى الإزار الذى يجامع فيه، وربما صلى بالليل فى الإزار الطويل، يرتدى ببعضه
مما يلى هدبه ويلقى البقية على بعض نسائه، وكان له صلي الله عليه وسلم كسا ء اسود
فاستكساه واحد فكساه له. وكان له صلي الله عليه وسلم خاتم يختم به على الكتب، ويقول: "
الختم على الكتاب خير من التهمة " ، وكان صلي الله عليه وسلم كثيرا ما يخرج وفى خاتمه
خيط مربوط يتذكر به الشئ. وكان صلي الله عليه وسلم يلبس القلانس تحت العمائم ويغير
عمامة وربما نزع قلنسوة من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلى إليها، وكان له صلي الله
عليه وسلم عمامة تسمى السحاب فوهبها لعلى رضى الله عنه فربما طلع على فيها فيقول
صلي الله عليه وسلم:" أتاكم على فى السحاب ".. وكان له صلي الله عليه وسلم فراش من أدم
حشوه ليف طوله ذراعان أو نحوهما وعرضه ذراع وشبر أو نحوه، وكان له صلي الله عليه
وسلم عباءة تفرش تحته حيث ما تنقل تنثنى تحته طاقين، وكان كثيراً ما ينام على الحصير
وحده ليس تحته شئ غيره، وكان له صلي الله عليه وسلم مطهرة من فخار يتوضأ فيها
ويشرب منها. فكان الناس يرسلون أولادهم الصغار الذين عقلوا فيدخلون عليه صلي الله عليه
وسلم فلا يدفعوا، فإذا وجدوا فى المطهرة ماء شربوا منه ومسحوا على وجوههم وأجسامهم
يبتغون بذلك البركة، وكان صلي الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها
الماء فما يأتونه بإناء إلا غمس يده فيه فربما جاءوه فى الغداة الباردة فيغمس يده فيه، وكان
صلي الله عليه وسلم لا يتنخم نخامة إلا وقعت فى كف رجل من أصحابه فيدلك بها وجهه
وجلده، وكان صلي الله عليه وسلم إذا توضأ يكاد أن يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا
خفضوا أصواتهم عنده، وكانت الصحابة رضى الله عنهم لا يحدون النظر إليه صلي الله عليه
وسلم تعظيماً له، وكان صلي الله عليه وسلم إذا آذاه أحد يعرض عنه ويقول رحم الله أخى
موسى عليه السلام قد أوذى بأكثر من هذا فصبر، وكان صلي الله عليه وسلم كثيراً ما يقول "
لا تبلغونى عن أصحابى إلا خيراً، فإنى أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر ". وكان صلي
الله عليه وسلم إذا رأى إنساناً يفعل شيئاً لا يليق لم يدع أحداُ يبادر إلى الإنكار عليه حتى يثبت
فى أمره فيعلمه الأدب برفق. ودخل أعرابى يوماً المسجد فبال فيه فهم به اصحابه فقال: " لا
تقطعوا عليه البول " ، ثم قال له " إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من القذر والبول والخلاء "،
وكان صلي الله عليه وسلم يركب الحمار موكوفاً وعليه قطيفة وكان إذا مر على الصبيان سلم
عليهم ثم باسطهم، وأتى صلي الله عليه وسلم برجل فأرعد من هيبته فقال له صلي الله عليه
وسلم "هون عليك فلست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.. " وكان صلي
الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه كأنه أحدهم فيأتى الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل عنه
فطلب أصحابه منه أن يجلس مجلساً يعرفه الغريب، فقال: افعلوا ما بدا لكم، فبنوا له دكاناً من
طين فكان يجلس عليها، وكان صلي الله عليه وسلم لا يأكل على خوانٍ ولا فى سكرجة حتى
لحق بالله تعالى، وكان صلي الله عليه وسلم لا يدعوه أحد من أصحابه ولا غيرهم إلا قال
صلي الله عليه وسلم لبيك، وكان إذا جلس مع أصحابه كواحد منهم، فإن تكلموا فى معنى
الآخرة تكلم معهم، وإن تحدثوا فى أمر طعام أو شراب تحدث معهم، وإن تحدثوا فى الدنيا
تحدث معهم رفقاً بهم وتواضعاً لهم، وكانوا يتناشدون الشعر بين يديه صلي الله عليه وسلم،
ويذكرون شيئاً من أمر الجاهلية ويبتسمون ويتبسم إذا ضحكوا، وكان لا يزجرهم إلا عن
حرام، وكانت سيرته صلي الله عليه وسلم مع أزواجه حسن المعاشرة والخلق، وكانت عائشة
رضى الله عنها إذا هويت شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإناء أخذه
فوضع فمه على موضع فمها وشرب، وكان ينهش فضلها من على العظم، وكان صلي الله
عليه وسلم يتكى فى حجرها ويقرأ القرآن، ورأسه فى حجرها صلي الله عليه وسلم، وربما
كانت فى ذلك كله حائضاً وتدافع هو وإياها فى خروجهما من الباب مرة وكان صلي الله عليه
وسلم إذا صلى العصر دار على نسائه فدنى منهن من غير مسيس واستقرأ أحوالهن فإذا جاء
الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة فيبيت عندها، وكان صلي الله عليه وسلم إذا قرب من
نسائه أول الليل أو آخره تارة يغتسل وينام وتارة يتوضأ وينام، وتارة يغتسل إذا دار على
نسائه عند كل واحدةٍ وتارة يدور عليهن بغسل واحدٍ، وكان صلي الله عليه وسلم إذا قدم من
سفر لم يطرق أهله ليلاً، وكان صلي الله عليه وسلم يردف خلفه بعض نسائه فى الأسفار،
وكان له صلي الله عليه وسلم ملآة مصبوغة بالزعفران تنقل معه إلى بيوت نسائه فترشها
صاحبة النوبة بالماء فتظهر رائحة الزعفران فينام معها فيها، وكان صلي الله عليه وسلم يقول
لأزواجه إن أمركن لما يهمنى من بعدى ولن يصبر عليكن إلا الصابرون، وكان صلي الله
عليه وسلم يثنى على بعض نسائه بحضرة ضرائرها فإذا ذكرتها ضرتها بمكروه يغضب لذلك
حتى يهتز مقدم شعره من الغضب، وكثيراً ما يقول لضرتها سبيها كما سبتك، وكثيراً ما كان
يأمرها بالصبر، وكان صلي الله عليه وسلم إذا رأى شدة الغيرة من بعض أزواجه يقول
سبحان الله إن الغيرة لا تبصر أسفل الوادى من أعلاه، وكانت أزواجه صلي الله عليه وسلم
يتباسطن فى حضرته حتى يلطخ بعضهن وجه بعض بالطعام فيضحك، وكان صلي الله عليه
وسلم يعذر نساءه فى غيرتهن ويعذرهن وجاءت أم سلمة بطعام إلى رسول الله صلي الله عليه
وسلم فقامت عائشة رضى الله عنها وكسرت الإناء فتبدد الطعام فقام رسول الله صلي الله عليه
وسلم فجمع الطعام فى الإناء وقال غارت أمكم مرتين ثم أخذ إناء عائشة فأعطاه لأم سلمة
رضى الله عنها بدل الإناء المكسور. وبالجملة فأخلاقه صلي الله عليه وسلم لا تحصر وفى
هذا القدر كفاية، وأما صفته فى خلقه فلم يكن بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد بل كان
ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده، وكان صلي الله عليه وسلم إذا مشى مع الطويل ساواه وكان
يقول جعل الله الخير كله فى الربعة، وكان صلي الله عليه وسلم أزهر اللون ولم يكن بالآدم
الشديد الأدمة، ولا الأبيض بالشديد البياض، والأزهر هو الأبيض المشرب بحمرة، وكان
عرقه صلي الله عليه وسلم أطيب من المسك الأزفر يعنى الخالص، وكان شعره صلي الله
عليه وسلم يضرب إلى منكبيه وكثيراً ما يكون إلى شحمة أذنية وكان شبيه فى الرأس واللحية
سبعة عشر أو نحوها. وكان صلي الله عليه وسلم يرى رضاؤه وغضبه فى وجهه لصفاء
بشرته وكان له ثلاث عكن يغطى الإزار منها بواحدةٍ، وكان كفه صلي الله عليه وسلم ألين من
الحرير، وله رائحة كأنها كف عطار مسها بطيب أم لم يمسها، يصافح المصافح فيظل يومه
يجد ريحها ويضع يده على يد الصبى أو رأسه فيعرف من بين الصبيان برائحتها، وكان صلي
الله عليه وسلم معتدل الخلق فى السمن فبدن فى آخر عمره، وكان مع ذلك لحمه متماسكاً يكاد
يكون على الخلق الأول لم يضره السمن صلي الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وذريته
والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق